Author

«إيران» و«الإخوان» .. وجهان لعملة واحدة

|
كان من اللافت جدا أن تكرر إيران كثيرا خلال الأشهر القليلة الماضية على لسان مسؤوليها القول، "لا سلام في المنطقة بدون إيران"، آخرها التصريح الصادر عنها يوم الأحد الماضي، ضعوا تحت هذه الجملة عشرة خطوط، وسنعود لمقتضاها في المقالات القادمة لما لها من صلة مباشرة بموضوعنا محل النقاش، وكنا قد استحضرنا معا في المقالات الثلاثة السابقة، عشر حقائق مؤكدة، ومثبتة بالأدلة والوثائق والمسوغات والقرائن، حول علاقة "داعش" ومنشأها: "القاعدة في بلاد الرافدين – وكان اسمها جماعة التوحيد والجهاد" علاقتها بإيران وبالنظام السوري مذ كانت في بداياتها في العراق عام 2004 ميلادي، التي دعمت تأسيسها المخابرات السورية تحت غطاء شعارات "الممانعة والمقاومة" البراقة: "دعم المقاومة العراقية، نصرة للشعب العراقي، ومقاومة المحتل الأمريكي" على يد عملائها: "أحمد فاضل نزال الخلايلة" والمشهور بـ"أبو مصعب الزرقاوي" المتورط في محاولات تهريب سيارات جرى تفخيخها في سورية بقصد تفجيرها في عمّان، والمدان في التفجيرات الشهيرة التي ضربت عددا من فنادق العاصمة الأردنية، مرورا بـ "محمود غول أتاسي" أو" أبو القعقاع السوري"، وليس انتهاءً بـ "إبراهيم بن عواد البدري" الملقب بـ "أبوبكر البغدادي" الذي أقام في دمشق في "السيدة زينب" في الفترة ما بين (2003-2006) برعاية من المخابرات السورية، وهو ذات الحي الذي كان يقيم به "نوري المالكي" وعدد من نشطاء "حزب الدعوة"، كما تناولنا الأساس الأيديولوجي الذي قامت عليه "داعش" أو "جماعة التوحيد والجهاد – القاعدة في بلاد الرافدين"، وأثبتنا أنه هو ذات الأساس الذي نشأ عليه "تنظيم القاعدة" إحدى أبرز الأذرع العسكرية لتنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي، على يد الثلاثي الإخواني "عزام، ابن لادن، والظواهري". وتأتي هذه المقالة امتدادا لسابقاتها، في سلسلة تتناول الإجابة عن السؤالين اللذين شغلا الكثير: "من أين أتت "داعش"؟ .. وماذا يجري في اليمن؟".. إن هذا النوع من المقالات التي أطرحها هنا هي مقالات حقائق ومعلومات خام، لا تعتمد على الكاتب بقدر ما تعتمد على القارئ النبيه، إنها شراكة تفاعلية بين الاثنين. ولا يخف عليك عزيزي القارئ الكريم بأن الإجابة عن هذين السؤالين أعلاه، تحتاج لبحث مستقل، لا مجرد مقالة، لذلك فأستميحك عذرا على الإطالة في هذه السلسلة، فهو أمر لا بد منه، للإجابة الوافية عن السؤالين بالغي الأهمية، كما أهيب بالقارئ الذي انضم إلينا حديثا، ويقرأ هذه السلسلة للمرة الأولى، بضرورة أن يعود للمقالات السابقة، ليواكبنا، ويشاركنا الوصول للإجابة الشافية. وبإمكانه بسهولة الوصول لتلك المقالات عبر زيارة الموقع الإلكتروني لصحيفة "الاقتصادية"، ومن ثم البحث باسم الكاتب، أو الموضوع. وكنا قد توقفنا الأسبوع الماضي عند ذلك التساؤل الذي قد يتبادر للأذهان عند استحضارنا للمعلومات المؤكدة التي أثبتت التعاون "الإيراني" مع "القاعدة" وأمها "تنظيم الإخوان المسلمين": كيف لإيران ولاية الفقيه "الشيعية" المتطرفة أن تتعاون وتتشارك مع تنظيم "القاعدة" و"الإخوان المسلمين" اللذين يمثلان التطرف والإرهاب "السني"؟! الإجابة عن هذا التساؤل سهلة جدا إذا ما استبعدنا النظر للمسألة بسطحية، وبحثنا في جذور هذه العلاقة، وسبرنا غورها. فبمجرد عودة بسيطة لعدد من الأحداث التاريخية، خاصة تلك المعنية بجذور "جماعة الإخوان المسلمين" الإرهابية، وعلاقتها بالماسوني الشيعي الإيراني "جمال الدين الأفغاني"، وعلاقاتها بثورة الخميني، وسردنا ذلك بموضوعية، عبر عرض للمعلومات، فسنتوصل لاستنتاجات منطقية تكشف أن كلا منهما مكمل للآخر. وأستأنف سرد الحقائق هنا بذات التسلسل في المقالات السابقة كالتالي: الحقيقة (11): الشيعي الإيراني -وعضو المحفل الماسوني الفرنسي - السيد جمال الدين الأفغاني هو أستاذ كل من "محمد عبده" و"محمد رشيد رضا" وفيما بعد تبعه وتأثر به ومشى على نهجه "حسن البنا". يقول مصطفى محمد الطحان في كتابه "الإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين" الذي كتب مقدمته المرشد السابق "مهدي عاكف"، "لقد نشأ الإمام الشهيد حسن البنا في وقت ضعف فيه التيار الإصلاحي، فدرس عوامل ضعفه، واستفاد من نواحي قوته، فأخذ أسلوب جمال الدين الأفغاني في العمل السياسي، وأسلوب محمد عبده في الاهتمام بالتربية". يقول "هادي خسروشاهي" رئيس مركز البحوث الإسلامية ومستشار وزير الخارجية الإيرانية السابق في مقال له بعنوان "نظرة إلى التراث الفكري والاجتماعي للشيخ حسن البنا المؤسس والمرشد للاخوان المسلمين"، "كان نشاط حسن البنا ونهضته في المبادئ ومفاهيمها المطروحة في الواقع مكملا للتيار الاسلامي السابق له، والذي كان قد بدأه السيد جمال الدين الحسيني المعروف بالأفغاني في أواخر القرن التاسع عشر". وكان قد أشار إلى ذلك "على أكبر ولايتي" الأمين العام للمجمع العالمي لـ"الصحوة الإسلامية" ومستشار "خامنئى" في مقابلة له مع وكالة أنباء مهر الإيرانية حيث قال، "كان لإيران ومصر أثر متبادل، فكما كان للسيد جمال الدين دور في نشوء الصحوة الإسلامية في مصر وبروز شخصيات من قبيل المرحوم الشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي ورشيد رضا، فكذلك ترك الإخوان المسلمون في وقتهم أثرا على الحركات الإسلامية في إيران.. إن سماحة قائد الثورة قام قبل الثورة بترجمة عدد من كتب سيد قطب إلى الفارسية، وبعد الثورة أيضا تمت ترجمة كتاب ولاية الفقيه للإمام الخميني إلى العربية، حيث ترك أثرا مهما في الصحوة الإسلامية في العالم العربي خاصة مصر"! الحقيقة (12): أنقلها عن الكاتب الإيراني الأستاذ أمير طاهري نصا حيث يقول: "ولد الأفغاني في أسعد آباد، غرب طهران. في البداية كتب جمال الدين، الذي لم يزر أفغانستان أبدا، سيرته الذاتية كأفغاني، وأطلق على نفسه اسم الأفغاني لإخفاء عقيدته الشيعية أثناء عمله في البلدان التي يهيمن عليها السنة مثل الإمبراطورية العثمانية ومصر. وإحقاقا للحق، لم يزعم جمال الدين أبدا أنه سني مسلم، ولكنه كان يمارس التقية. وتزعم بعض المصادر أن القيادات الشيعية في "قم"، أرسلت جمال الدين إلى إسطنبول ثم إلى القاهرة في عام 1871، لفحص إمكانية نشر المذهب الشيعي في الإمبراطورية العثمانية، فيما زعم آخرون أن جمال الدين أرسل في مهمة لمواجهة النفوذ المتنامي للحركة الإسلامية المحافظة التي يتزعمها محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة العربية. وأكد محمد محيط الطباطبائي، وهو أحد كاتبي السيرة الذاتية لجمال الدين، ذلك جزئيا، حين قال، "لم يحصل جمال الدين أبدا على تدريب أو إقرار بكونه رجل دين، وكان يقدم نفسه إلى المرجع بـ(قم) باعتباره مبلغا". ويضيف: "ومن المؤكد أيضا، أن جمال الدين كان من أوائل مؤسسي المحافل الماسونية في مصر وتركيا وإيران... إن جمال الدين، أو السيد جمال، كما يحب المصريون أن يطلقوا عليه، ينظر للدين كأداة في خدمة السياسة وليس العكس. وسوف تصبح بعد ذلك فكرة الإسلام كأداة سياسية، مكونا حيويا للإسلام الحديث بأشكاله المختلفة – بداية من الإخوان المسلمين والخمينية وصولا إلى (القاعدة)". الحقيقة (13): يقول خامنئي في إحدى خطبه، "ليس لدى الإسلام الحديث سوى ثلاثة مفكرين عظام مؤثرين، هم سيد قطب، وآية الله الخميني، وأبو الأعلى المودودي". نستكمل الأسبوع المقبل، فإلى اللقاء.
إنشرها