العالم

عبدالله أوجلان.. وصناعة «السِلم» من السجن

عبدالله أوجلان.. وصناعة «السِلم» من السجن

حين قام الأكراد بأعمال شغب في جنوب شرقي تركيا الأسبوع الماضي تعبيرا عن غضبهم لرفض أنقرة إنقاذ مدينة كوباني السورية الكردية من تنظيم الدولة الإسلامية الزاحف إليها كان عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني هو من توجه إليه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو طلبا للمساعدة. ###صانع السلام نفوذ أوجلان كصانع سلام وهو في محبسه الذي أودع فيه منذ 15 عاما يفوق نفوذه حين كان قائد تمرد كردي سقط فيه 40 ألف قتيل. لكن بينما يكشف الصراع السوري عن قوى داخل تركيا لا يملك الجانبان سيطرة كاملة عليها ربما يكون الوقت ينفد أمام أنقرة لصنع السلام مع الأكراد. وقال أوزجور أونلوهسارجيكلي من مكتب مؤسسة جيرمان مارشال فاند البحثية في أنقرة "عملية السلام مضطربة أصلا دون كوباني. كوباني تقوض دعائمها أكثر. وإذا سقطت فقد يكون من الصعب التماسك". وحتى الآن يبدي الطرفان التزاما بالسلام. حث أوجلان السياسيين الموالين للأكراد على محاولة تفادي المزيد من إراقة الدماء وإبقاء عملية السلام التي أطلقها مع أنقرة قبل عامين في مسارها. والتقى هؤلاء السياسيون بوزراء ووجهوا مناشدات هدأت العنف. وأكد بشير أتالاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم أمس الخميس مجددا التزام الحكومة بعملية السلام وقال إنه يجري تداول "خريطة طريق" ووعد باتخاذ المزيد من الخطوات في الأيام المقبلة. وبحسب «رويترز» لا تزال كلمة أوجلان مسموعة لكثيرين من أنصاره الذين يدللونه باسم "أبو". وقال سائق سيارة أجرة يدعى مسلم بيلجيك (36 عاما) وهو يدخن في مقهى ببلدة سروج التركية على بعد عشرة كيلومترات إلى الشمال من كوباني "أبو هو كل شيء بالنسبة لنا. هو السبب في أن العالم كله يعرف الأكراد.. لا أعلق صورة والدي في المنزل لكني أضع صورة أوجلان". ###تحول إعلامي يلتقي وفد من الحزب الشعبي الديمقراطي الموالي للأكراد مطلع الأسبوع المقبل مع قادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل بشمال العراق قبل محادثات مع أوجلان على جزيرة إيمرالي -حيث محبسه- يوم 21 أكتوبر تشرين الأول. واستمرار ولاء حزب العمال الكردستاني لأوجلان يعطي الحكومة سببا قويا لتقدير شخص دأبت الصحف التركية الموالية للحكومة على وصفه بأنه "قاتل أطفال". وبعد إلقاء القبض على أوجلان في كينيا عام 1999 اعتاد الأتراك على صور يظهر فيها مشتتا معصوب العينين ومقيدا وحوله أفراد ملثمون من القوات الخاصة التي نقلته جوا إلى تركيا. لكن أوجلان الذي لم ينقذه من حبل المشنقة سوى تغيير في القانون يظهر الآن في وسائل الإعلام التركية في صورة جد أشيب عطوف مبتسم في صور التقطت له في السجن ونشرتها الحكومة. وبلغ الأمر ببعض الدوائر الموالية للحكومة في تركيا إلى حد تصوير الاضطرابات التي اندلعت الأسبوع الماضي بسبب مدينة كوباني والتي قتل فيها العشرات على أنها جزء من مخطط لتقويض دور مفاوض بارع في عملية صنع السلام. وكتب رسيم أوزان كوتاهيالي مقالا في صحيفة صباح قال فيه "من أهداف سلسلة الإرهاب والعنف هذه إنهاء عملية السلام وترك عبد الله أوجلان يتعفن في السجن للأبد وإخراجه فعليا من الحياة السياسية". وطرح أحد الصحفيين الكبار الموالين للحكومة هذا الأسبوع فكرة نقل أوجلان من إيمرالي قائلا إن تركيا يجب أن "تبحث أمره". وبإعلانه وقف إطلاق النار في آذار (مارس) من العام الماضي وإصدار أوامره بانسحاب قواته إلى قواعدها في جبال شمال العراق ربما أحس أوجلان أن السلام هو فرصته المثلى للخروج من السجن. وتوقف حزب العمال الكردستاني بقيادة أوجلان عن المطالبة بانفصال كامل لطالما حارب من أجله لكن أردوغان اضطر إلى مواجهة الكثير من المشاعر العدائية القومية للدفع حتى بمجرد إصلاحات ثقافية ولغوية تبعد كثيرا عن مستوى الحكم الذاتي المحدود الذي يطالب به الآن كثيرون من الأكراد. ###«تجرع السم» شبه بولنت أرينتش نائب رئيس الوزراء التركي عملية السلام "بالإمساك بالنار". وقال "ألقينا بأنفسنا في هذا العمل الصعب... إنه مثل تجرع السم أو ربما مثل ضياع القوة". وسيكون مردود السلام -إذا تحقق- هو تحقيق نمو في منطقة حرمها صراع ممتد منذ ثلاثة عقود من الاستثمارات في وقت تجد فيه تركيا صعوبات في إيجاد قوة دفع اقتصادية. لكن الحرب في سورية جعلت السم بالنسبة للطرفين أكثر فتكا. ويقول كثيرون في أنقرة إن اثارة استياء الأكراد على المدى القصير عن طريق رفض إرسال قوات تركية عبر الحدود السورية لمساعدة أبناء عرقهم هو ثمن يستحق الأمر دفعه لتفادي جر تركيا إلى الصراع المعقد في سورية. كما أن وحدات حماية الشعب الكردية التي تدافع عن كوباني في مواجهة مقاتلي تنظيم "الدولة" تربطها صلات قوية بحزب العمال الكردستاني. وهذا بالنسبة لكثيرين في الحكومة التركية يجعل من المستحيل السماح بوصول أسلحة حتى من أنحاء أخرى في سورية إلى وحدات حماية الشعب عبر الأراضي التركية. ومن شبه المؤكد أن يثور غضب أكراد تركيا لتعليق حكومي قال إن البلاد لا تفرق بين وحدات حماية الشعب وتنظيم "الدولة" الذي ارتكب مذابح وعمليات قتل أسفرت عن فرار 200 ألف سوري كردي إلى تركيا. وفي الوقت نفسه يستشعر كثيرون في حزب العمال الكردستاني أن تعاطف الغرب مع محنة أكراد سورية قد تحسن صورة الحزب في العالم وتعزز موقفه أمام أنقرة. وفشلت دعوة أوجلان للهدوء في إقناع بعض المقاتلين فهاجموا وقتلوا ضباط شرطة في إقليم بنجول كما اشتبك متمردو حزب العمال الكردستاني مع قوات تركية على الحدود العراقية. ###تداعي النفوذ يقول منتقدو أوجلان من الأكراد إن انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني منذ أن أعلن عن وقف إطلاق النار لم يسفر عن أي تنازلات ملموسة أو حتى مفاوضات جدية من جانب الحكومة. وقال سنان أولجن رئيس مركز الدراسات الاقتصادية ودراسات السياسة الخارجية في إسطنبول "الدور التاريخي الذي لعبه أوجلان ما زال يعطيه قدرا كبيرا من النفوذ لكنه آخذ في التداعي". وقد يزداد استياء فصائل شابة متشددة داخل حزب العمال الكردستاني من نفوذ لا يزال يتمتع به رجل عجوز يقبع خلف القضبان منذ سنوات طوال. وأوضح جميل باييك أكبر قيادي لحزب العمال الكردستاني في المنفى بجبال قنديل العراقية بلغة لا تدع مجالا للشك هذا الأسبوع أنه يحمل حزب العدالة والتنمية الحاكم المسؤولية عن كوباني وعن الاضطرابات في جنوب شرق تركيا. وقال للتلفزيون الألماني "حذرنا تركيا. إذا مضت في طريقها فإن مقاتلينا سيستأنفون حربنا الدفاعية لحماية شعبنا". وأضاف أن بعض المقاتلين الأكراد الذين انسحبوا من تركيا العام الماضي عادوا إليها. ومجازفة حزب العمال الكردستاني بفتح جبهة قتال جديدة وإثارة استياء القوى الغربية عن طريق إحياء صراعه مع تركيا في الوقت الحالي قد يكون موضع شك لكن التركيز ينصب كثيرا على كوباني. وبدا أن قصفا عنيفا شنته الطائرات الحربية لتحالف تقوده الولايات المتحدة هذا الأسبوع أوقف تقدم الإسلاميين مما يحمل أنباء سارة للمدافعين الأكراد عن المدينة. لكن إذا لم يتوافر المزيد من السلاح والذخيرة لمساعدة الأكراد على الأرض سيطل مصير كوباني مجهولا وكذلك مصير عملية السلام. وقال بيلجيج سائق السيارة الأجرة "إذا سقطت كوباني ستندلع حرب أهلية في تركيا. "إذا سقطت كوباني فلن يتمكن أبو من السيطرة على الشارع. كلمة السلام تنطلق من أوجلان لكن الحرب تنطلق من قنديل".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم