اليوم الوطني .. ومسيرة من الكفاح لـ 3 قرون

نحتفل الأسبوع المقبل باليوم الوطني (84) لتأسيس المملكة العربية السعودية، وهي (278) عاما منذ بدأ أئمة الدولة السعودية الأولى بناء هذا الكيان، وضحى الآباء المؤسسون عبر تاريخ طويل من الكفاح والصبر والثبات على المبادئ، حتى منّ الله علينا بوطن ننعم فيه بالأمن والاستقرار والازدهار، مع كل ما يحيط بنا من مخاطر وتحديات.
يقود خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - مسيرة تنموية وإصلاحية يتعاظم فيها دور المواطن السعودي باعتباره محور التنمية ومرتكزها؛ رؤية يجب أن تعمل مؤسسات الدولة كافة على تحقيقها بالقدر والمستوى الذي يليق بتطلعات خادم الحرمين الشريفين وطموحات المواطن السعودي.
يحق لنا ونحن نحتفل بهذا اليوم الوطني أن نستذكر كل المنجزات التي حققناها خلال هذه المسيرة الطويلة من الكفاح، ولكن أيضا يجب ألا تغيب عن أعيننا التحديات الكبيرة التي نواجهها؛ فاستذكار هذه التحديات يعزز وحدتنا، ويقوي عزيمتنا وإصرارنا على مواصلة تنميتنا الشاملة جيلا بعد جيل.
ليس الحديث عن اليوم الوطني هذا العام حديثا عابرا، ومنطقتنا العربية بأكملها تعيش أوضاعا استثنائية، تهاوت فيها أنظمة، وقامت على ثراها تنظيمات لا ترقب فينا إلاّ ولا ذمة، وتعالت صرخات بعض الشعوب العربية وهي تئنّ من تبعات انهيار الأمن والاقتصاد ومشروع الدولة برمته، وتكالبت المصالح الدولية، فباتت أوطان تباع وتشترى في مزادات السياسة الدولية.
وكان قدر هذا الوطن أن يدافع عن الأمن الوطني العربي برمته، مستشعراً مخاطر ما يجري، متعاوناً مع كل المخلصين في العالمين العربي والإسلامي، ومحذراً كل القوى من تبعات ما يجري، وكانت كلمات خادم الحرمين الشريفين، عند تسلمه أوراق اعتماد عدد كبير من السفراء، شديدة الوضوح والصراحة في التحذير من امتداد خطر الإرهاب عبر العالم.
كل هذه الأحداث والوقائع والتحديات، تؤكد لنا كسعوديين أننا في مرحلة بناء وتنمية مع كل ما يحيط بنا من تحديات، وغيرنا مع الأسف الشديد في صراع وجود. حال يجب أن نستذكره في اليوم الوطني، فنحمد الله على ما نحن فيه، وندعو لإخواننا بأن يمن الله عليهم بالأمن والاستقرار.
أما بعض أبنائنا الذين تخطفتهم أيدي الصراعات، وزين لهم البغاة سوء عملهم، وانغمسوا في نيران الفتنة؛ فنحن نأسف عليهم، ونتألم لذويهم، ويجب أن يقوم العلماء والدعاة والمربون ومؤسسات الدولة مجتمعة بتعزيز الجهود لسبر ظاهرة "الفزعة العمياء" التي جعلت من بعض أبنائنا وقوداً لتجار الصراعات والتنظيمات.
نحن ندرك كسعوديين أن كل التنظيمات الإرهابية تعتبر المملكة وشبابها هدفها الأول لأسباب كثيرة، منها الثقل الديني والاقتصادي والسياسي للمملكة. ونحن في حرب دائمة مع الفكر المتطرف، بل إن حرب المملكة ضد الإرهاب ومكافحة الفكر المتطرف، قامت على قواعد شرعية، نجحت إلى حد كبير في تعرية ما يقوم عليه هذا الفكر من ضلال، ولذلك تجتمع هذه التنظيمات الإرهابية على معاداة المملكة ومحاولة النيل منها؛ نظرا لأن المملكة حاربت الإرهاب فكريا قبل أن تحاربه أمنيا وعسكريا.
تحديات التنمية لم ولن تنتهي في بلد كبير كالمملكة، الطريق كان محفوفاً بالكثير من التحديات في كل مجال من مجالات الحياة. فعلى سبيل المثال؛ لم تكن تجربة تعليم المرأة ومشاركتها التنموية حدثاً عابراً انتهى في حقبة زمنية معينة، فالنظرة المترددة - لدى البعض - لا تزال تغذي رؤية تعزيز دور المرأة في المجتمع، وهي مشاعر لن تعيق مضينا كمجتمع متحضر نحو التقدم مع الحفاظ على ثوابتنا وقيمنا المستمدة من شريعتنا الغراء؛ إيمانا منا بأن الإسلام دين حضارة وتقدم، حيث أثبتت التجارب أن توجسات البعض غير مبررة، ومنفصلة عن الواقع، ومبنية على انطباعات شخصية.
كان التحدي الحقيقي في سنين خلت هو مدى توافر الموارد المالية الكافية للاستمرار في مسيرة التنمية، أما التحدي اليوم فهو كيف يمكن توظيف الموارد المالية الكبيرة وترشيدها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. هذا التحدي هو ما يجب أن تعيه الأجهزة التنفيذية لتعظيم الاستفادة مما تخصصه الدولة من ميزانيات ضخمة لتنفيذ خطط التنمية وتحقيق أهدافها.
وفي ضوء معطيات تنموية لم تتوقف، ومساحة للتعبير والنقد تنسجم مع سعينا جميعاً لتحقيق ما يصبو إليه مجتمعنا، وما يجب أن تؤديه مؤسساتنا الإعلامية من دور مهم للتنبيه لأوجه القصور تصحيحاً للمسيرة وتحقيقاً للمصلحة العامة؛ يجب علينا ونحن نحتفل باليوم الوطني أن نؤكد أن الحق في النقد يجب أن يتسم بالموضوعية ويهدف إلى تحقيق المصلحة العامة. النقد الموضوعي قيمة اجتماعية محترمة في كل مجتمع يسعى إلى تطوير منجزاته وتفادي أخطائه؛ على نحو يحفظ للمؤسسات العامة اعتبارها في الوقت الذي يتناول أداءها بكل شفافية وموضوعية.
إن ممارسة الحق في النقد ليست أمرا يسيرا في مجتمعات تتداخل فيها العلاقات والمصالح، وتتشابه فيها الانطباعات والآراء، إلا أنه تجب الإشارة إلى أن ازدراء مؤسسات الدولة وتهميش منجزات الوطن ليسا من النقد في شيء؛ بل إن آثارهما السلبية على المجتمع جسيمة؛ خاصة وقد وجد من جعل من هذا السلوك مطية للنيل من المملكة وقيادتها وشعبها وكل منجزاتها.
من الطبيعي - كمجتمع حي وحيوي - ألا تكون جميع رؤانا وتطلعاتنا ومواقفنا تجاه الكثير من الموضوعات والأحداث متطابقة، نتبنى في مواقف كثيرة ما نظنه المصلحة بعينها؛ فنخطئ ونصيب في تقييم بعض الأحداث وتبعاتها، نقيم منجزاتنا بمعايير مختلفة، ونتطلع للمزيد والمزيد منها.
إن الوقائع والأحداث ومآلاتها أثبتت أن وطننا يتمتع برؤية حكيمة، وأن قيادته الرشيدة تدرك كل التحديات المحيطة بنا، وأن سياسته الداخلية والخارجية نأت به عن مخاطر جمة ما انفكت تعصف بالعالم أجمع. يد تبني ويد تحمي؛ لم ولن نتهاون في الذود عن وطن سقاه آباؤنا وأجدادنا من دمائهم؛ لتوحيده وتأسيسه، ارتضينا قيادته، ورفعنا رايته. إنه الوطن، إنها المملكة العربية السعودية، وكفى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي