ركوب الموج (2) : أقوى اقتصادات العالم..!

أشرت في المقال السابق إلى ما تضمنه التقرير الذي أعده بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) عن عام (2012 م) بشأن الشركات المدرجة في الأسواق المالية بدول الخليج العربي، وقد لزم التنويه أن ذلك وفقاً لما نشرته صحيفة المدينة بتاريخ 16 أبريل 2013 م.
إن مناسبة ما تضمنته المقالة السابقة فيما يتعلق بالإشارة إلى خطورة رياضية ركوب الأمواج في "بعض الأحيان"، هي أكثر ما يكون ارتباطاً بموضوع ركوب موجة "الاقتصاديات الكبرى"، فما هي حقيقة هذه الموجة؟

يبدو أنه تم ركوب "الموجة" دون التحقق من ماهيتها، ففي أعقاب "أزمة النفط" عام (1973 م)، والتي يعرف الكثيرين ظروفها، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ إجراءات للحد من تأثيرها والعمل على عدم تكرارها، والقاعدة العامة أنه حق مشروع أن يعمل كلٌ على حماية مصالحه، ومن ضمن تلك الإجراءات تأسيس ما يُعرف "بمجموعة الخمس (G5)" في عام (1974 م)، وقد ضمت تلك المجموعة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية كلاً من بريطانيا والمانيا الغربية (حينها) واليابان وفرنسا، وانضمت إليهم إيطاليا في العام التالي، وكندا في العام الذي يليه (أي عام 1976 م)، وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي في عام (1991 م) إنضمت إليهم روسيا (كمراقب) في عام (1994 م) فعضو في عام (1997 م).

يُشكل أعضاء "مجموعة الثمانية (G8)" نحو (14%) من سكان العالم ويستحوذون على نحو ثلثي.. نعم (65%) من اقتصاد العالم، وكذلك مجمل القوة العسكرية (فسبع دول منها نووية ويمثل إنتاجها ما يُعادل 98% من الانتاج العسكري)، وتهدف المجموعة من خلال اجتماعاتها الدورية المنتظمة (السنوية) إلى بحث القضايا المشتركة أو العالمية، وذلك في إطار النظام الدولي العام الذي وضعته "مجموعة الخمس"، وإذاً لما كان العمل على تحقيق المصالح هو حق مكفول للجميع فما المشكلة؟

عندما لم تتمكن "مجموعة الثمان" من مواجهة مشكلة "التغير المناخي"، توسعت لتشمل ما أُطلق عليه "أكبر الاقتصادات الناشطة" أو (G8+5)، والتي ضمت إضافة لمجموعة الثماني كلاً من الصين والمكسيك والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ثم حينما جاء الوقت لمواجهة الأزمات المالية التي حصلت خلال تسعينات القرن الماضي تم في عام (1999 م) تأسيس ما يُعرف "بمجموعة العشرين (G20)" بهدف تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة.

وبذلك ضمن أعضاء "مجموعة الخمس" تعاون الدول التي تمتلك نحو (90%) من "الناتج العالمي الخام"، كما تجدر الإشارة إلى أن "مجموعة العشرين" تستضيف في اجتماعاتها منظمات مالية تشمل بريتون وودز ورئيس صندوق النقد الدولي ورئيس البنك الدولي واللجنة النقدية والمالية ولجنة التنمية التابعة للصندوق والبنك، ومن أبرز ما أنجزته "مجموعة العشرين" هو احتواء تداعيات الأزمة المالية التي حدثت عام (2008 م) والتي كادت أن تقوض النظام المالي الدولي والذي يُعد "العمود الفقري" للنظام الاقتصادي العالمي، حيث تم وضع آليات لمعالجة تلك الأزمة والعمل على عدم تكرارها، والجدير ذكره هو أن المتسبب الرئيس في حدوث تلك الأزمة هم أعضاء في "مجموعة الخمس"، أما الأهم في الموضوع هو أنه لولا مساهمة بعض أعضاء "مجموعة العشرين" والذين ليسوا في "مجموعة الخمس" ولا في "مجموعة الثمان" لما أمكن منع "الانهيار الاقتصادي".

ومما يثير الاهتمام كذلك هو أن أياً من أولئك الضيوف على "مجموعة العشرين" ليسوا كذلك بالنسبة "لمجموعة الثماني" أو المجموعة الأساس (أي "مجموعة الخمس")، كما أن آخر عضو أضيف "لمجموعة الثمان" لم يتم دعوته للاجتماع الأخير للمجموعة نتيجة تداعيات "قضية أوكرانيا"، وهذا ما يدعو للتساؤل ما إذا كان القصد الحقيقي من قبول انضمام العضو الأخير "لمجموعة الثمان" هو احتواءه وسواء بسواء في ذلك أعضاء المجموعات الأخرى خارج "مجموعة الخمس" التي انكشف في هذه المقالة سرها.

وبناء عليه.. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: ها هي مجموعة الدول التي تستأثر بثلثي اقتصاد العالم وكامل الانتاج العسكري، إلا قليل جداً، قد سعت وحققت أهدافها ومصالحها، فما الذي تحقق للدول التي تمتلك (90%) من "الناتج العالمي الخام" مقابل تعاونها في إطار "مجموعة العشرين" وبشكل أكثر تحديداً مقابل الدواعي "السياس-قتصادية" التي أدت لتأسيس "مجموعة الخمس" والهدف الأساس "لمجموعة الثمان"؟ آمل أن يكون هذا المقال قد ساهم في كشف حقيقة موجة "الاقتصاديات الكبرى"، وقد يكون لي مع القراء الكرام عودة للمزيد حيال هذه الموجات وراكبيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي