خطط التنمية بين المخطط والواقع

اليوم، عندما نتحدث عن تقييم الخطط التنموية وما تحقق منها على أرض الواقع تبرز أهمية القياس. ففي عالم الأعمال هناك دائما مقارنة بين مخطط المؤسسة والمتحقق على أرض الواقع، وتعتبر هذه المقارنة من أدوات التحليل التي لا غنى عنها لمعرفة الخلل. تحدثت خطة التنمية الأخيرة عن عدة قضايا مهمة ووضعت التوجهات والأهداف المراد تحقيقها، وتركت للوزارات مسألة التشريعات والآليات والقرارات لتحقيقها. ولم يكن غريبا أن تركز الخطة التنموية الأخيرة على زيادة حصة العمالة الوطنية من إجمالي القوى العاملة، وزيادة حصة القطاع الخاص في الدخل القومي الإجمالي، ولكنه من الملاحظ زيادة الهوة بين الأهداف المخطط لها حسب الخطة وما تحقق منها على أرض الواقع.
فعلى صعيد زيادة حصة العمالة الوطنية أو زيادة نسبة توطين الوظائف، فقد استهدفت الخطة الأخيرة انخفاض البطالة بين السعوديين إلى 5.5 في المائة بنهاية عام 2014، بينما قدرت نسبة البطالة حسب مصلحة الإحصاءات عام 2014 بـ .511 في المائة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار البيانات الصادرة من "حافز" فإن مستويات البطالة ستكون أكبر بكثير، كما أن العديد من الدراسات الأخرى المستقلة أظهرت بيانات كبيرة للبطالة تتجاوز الأرقام الرسمية المعلنة. جميع هذه الدراسات والإحصاءات تشير إلى أن نسبة البطالة أكبر بكثير مما كان متوقعا له حسب خطط التنمية، والفرق هو في النسبة بين دراسة وأخرى.
وهنا نتوقف قليلا لموضوع مهم وهو ظاهرة وجود فروقات كبيرة في بعض الأحيان بين الدراسات المستقلة والبيانات الرسمية الصادرة، بل والأخطر من هذا كله أن ما نلمسه على أرض الواقع دوما يدعم الاستنتاج بأن الأرقام الحقيقية للبطالة أكبر بكثير من الأرقام الرسمية. وعلى الرغم من هذا سنلتزم هنا بالرقم الرسمي المأخوذ من مصلحة الإحصاءات، الذي يعني أن البطالة تعتبر أكثر من ضعف ما كان مخططا له في خطط التنمية التي شارفت على الانتهاء مع نهاية العام الميلادي الجاري. كما أن الخطة التنموية الأخيرة لم تتطرق كثيرا إلى النوع بل ركزت على الكم في تحديد أهدافها للبطالة للسنوات القلائل المقبلة، وسيكون هذا حتما أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، والتي ستتفاقم بشكل كبير خلال السنوات القلائل المقبلة.
في الدراسة المتخصصة التي أصدرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية "خط الكفاية في السعودية، 2012" أعلنت أن حد الكفاية هو 8926 ريالا، في حين أنه يبلغ 3000 حسب القرار الملكي الأخير، بمعنى عدم تمكن موظفي الحد الأدنى من تأمين احتياجاتهم الأساسية. وقد قامت وزارة العمل بإطلاق أكثر من برنامج لخفض البطالة إلى المستويات المذكورة في خطة التنمية، وقامت في بعض الأحيان باتخاذ قرارات مصيرية مثل قرارها بترحيل العمالة المخالفة من أجل الإسراع بتحقيق أهداف خطة التنمية. ومع هذا ما زالت الدراسات الميدانية تخرج علينا بأرقام تؤكد زيادة نسبة دخول الوافدين في القطاع الخاص على عدد العاملين السعوديين، وكما ينطبق ذلك على رواتب الوافدين التي ارتفعت 40 في المائة خلال سنة واحدة (2013) وغيرها.
إن الطلب على الوظائف سيتسمر في الزيادة ويرجع ذلك لديموغرافية البلاد. فحسب تعداد السكان الأخير فإن عدد سكان المملكة 30 مليون نسمة تقريبا، بينهم 20.3 مليون مواطن، نسبة الشباب بين 18 ـــ 30 عاما تقدر بأكثر من 3.6 مليون مواطن قد انضموا أو على وشك الانضمام إلى القوى العاملة. وإذا ما حافظنا على معدل النمو بمقدار 2.7 في المائة بشكل سنوي، يتوقع أن يتجاوز هذا العدد حاجز الخمسة ملايين خلال الأعوام العشرة المقبلة. ومن الطبيعي أن ارتفاع مستوى الطلب على الوظائف يجب أن يقابله تحسن في مستوى أداء الوزارات والتنسيق لاستيعاب هذه الأعداد، في حين أن النتائج متوقعة إذا استمرت على حالتها. وباستقراء سريع للمستقبل، فلن نأتي بجديد إذا قلنا إنه لا يبشر بالتفاؤل. فالحراك السريع نحو إعادة دراسة الأوضاع واتخاذ الخطوات التصحيحية أصبح ضرورة قصوى، فنحن اليوم على شفا انفجار سكاني كبير يحتم علينا وضع حلول عملية شاملة. كما أن العمل الجماعي لخدمة المصلحة العامة وليس الخاصة يجب أن يكون السمة الأساسية لمرحلة تصحيحية مقبلة.. إذا شئنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي