Author

تحول محوري في البورصة السعودية

|
لعلها من أكثر الخطوات توقعا تلك التي أقدمت عليها الحكومة السعودية، بالسماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار المباشر في سوق الأوراق المالية في المملكة. أما لماذا الأكثر توقعاً؟ فلأن هذه السوق هي الأكبر من حيث القيمة السوقية على صعيد الشرق الأوسط، بحجم يصل إلى 531 مليار دولار. ولأن الاقتصاد السعودي أكثر تماسكاً من غيره من الاقتصادات الإقليمية، ولأنه أيضاً دخل مرحلة متجددة تقود إلى تعزيز التماسك عن طريق التنوع. والحق، إنها خطوة تدخل في صميم حراك الإصلاح الاقتصادي. والاقتصاد المتنوع المتماسك، ينبغي ببساطة أن يكون منفتحاً ومرناً في أدواته ومحركاته. والسوق في السعودية (بحجمها وقوتها) تبقى في المراتب الأولى لهذه المحركات. أما لماذا تأخرت هذه الخطوة؟ فلأن بعض الأسواق الأقل قيمة وتماسكاً، تقدمت بأشواط لافتة في مجال الانفتاح والمرونة، بل إن بعضها حظي أخيرا بترقية من أسواق مبتدئة إلى ناشئة. وفي كل الأحوال، اتخذ القرار أخيراً، وتقوم هيئة السوق المالية بوضع اللمسات الأخيرة من أجل إطلاق تنفيذه في العام المقبل. وبمجرد الإعلان عن السماح للأجانب بالاستثمار المباشر في البورصة السعودية، قفز مؤشرها إلى مستوى تاريخي. بل إن عديداً من المراقبين يعتقدون، أن هذه البورصة ستسحب وبفترة قياسية البساط من تحت أقدام غيرها في المنطقة. وهناك مؤسسات عالمية، تتحدث عن هذه النقطة بالذات، حتى قبل الإعلان عن القرار السعودي الجديد، على اعتبار أن ترقية بورصات مثل قطر والإمارات إلى ناشئة، لم يغير في الواقع من طبيعة تكوين هذه البورصات، ومن الثوابت التقليدية التي قامت عليها. ولا شك أن البورصة السعودية ستدرج على مؤشر"مورجان ستانلي"، فور البدء العملي بتنفيذ القرار الحكومي الخاص بالأجانب. غير أن الحجم الهائل (إقليمياً) للسوق السعودي، ليس بالضرورة قادراً على استيعاب السيولة الكبيرة التي ستتدفق إلى السوق في أعقاب تنفيذ القرار المذكور. وهذا يقود بالضرورة إلى إعادة صياغة جديدة لسوق السندات والصكوك، بما يسمح باستيعاب المزيد من التدفقات المالية. وهذ الأمر لا دخل له بمستوى جاذبية السوق في المملكة. وهذه الجاذبية في كل الأحوال قوية، مقارنة بغيرها في المنطقة، وقوتها آتية أساساً من متانة الاقتصاد الوطني، التي استمدها من حجم المشروعات التنموية الهائلة عبر الإنفاق الحكومي، إلى جانب طبعاً عوامل أخرى عديدة، من بينها انخفاض تكلفة الطاقة، والعنصر السكاني في البلاد. وبإمكان السعودية أن تكون مركزاً مالياً من الدرجة الأولى في المنطقة، ولكن ليس قبل تطوير مستحق على صعيد سوق السندات والصكوك، بما ينسجم أساساً مع الخطة الوطنية الشاملة لبناء اقتصاد محلي متطور. هناك الكثير من الخطوات التي يجب أن تتخذ لاحقاً، تماشياً مع الخطوة الأخيرة على صعيد البورصة والاستثمار الأجنبي فيها. بما في ذلك النمو الطبيعي التدريجي للاستثمار المؤسساتي فيها، ولا سيما أن الأغلبية العظمى من الاستثمار الراهن يكون على الأفراد. ومن النقاط المهمة أيضاً، أن السماح للأجانب، سيضع لاعبين ومحركين جددا في قلب السوق، وهو أمر ضروري في بيئة اقتصادية تنشد المرونة وتسعى إلى الوصول لأعلى مستوى لها. ستكون هنا آفاق جديدة، وهذه الأخيرة تستحق أيضاً خطوات متجددة تتناغم مع التطورات والتحولات على صعيد السوق، خصوصاً أن ذلك لا يتم في سوق هامشية، بل محورية تستند إلى أكبر الاقتصادات في المنطقة، وأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم. في العالم المقبل، ستدخل بورصة المملكة بالفعل في تحول تاريخي، يتطلب أيضاً خطوات تاريخية أخرى معززة له.
إنشرها