عقدة الغرب من العرب !!

بعد احتكاكي مع المجتمعات الأوربية وجدت بأن هناك عقدة تاريخية وثقافية معقدة جدا لدى الكثير من الأوروبيين فيما يخص العروبة. استنتجت من بعد قراءات مكثفة واستطلاع لما يكتبونة ومناقشات طويلة بأن ليس لدى الأوربيون مشكلة على الاطلاق مع الاسلام كدين ولكن مشكلتهم هو أن الاسلام انبثق وتكون وتم حملة اليهم من قبل جماعة عرقية مختلفة عن العرق الأبيض. علما بأن الأوروبيين لم يتم ازاحة مكانتهم الحضارية والسلطوية الا من قبل العرب. بطبيعة الحال، تناقشت مع بروفيسورة أسبانية متخصصة في التاريخ عن امكانية صدق رؤيتني وقالت بأنه من المنطقي جدا أن تحاول الثقافة الجديدة بالتنكر للثقافة القديمة وبالذات اذا كانت الثقافة القديمة ذات هوية وعرق مغاير.

ومن المفارقات العجيبة هو أن المدارس الأسبانية يدرسون التلاميذ التاريخ الأسباني القديم والحديث على مدى جميع السنوات الدراسية ويسهبون في ابراز جميع الفترات الزمنية المتعاقبة على هذا البلد ولكن يتم اختزال أكثر من ثمانمائة سنة من الحضارة الاسلامية في ورقات لا تتعدي اصابع اليد الواحدة ، وحتى في هذة الصحفات لا يتم أي ذكر للانجازات العلمية والحضارية بل يتم اختزالها بجملة واحدة وهي أن العرب ترجموا الكتب الأغريقية ومن هناك بدأو ومن هناك انتهو ! ويركزوا بشكل كبير على ذكر اللحظات التاريخة التي تم فيها استعادة غرناطة من قبل الملكة ايزابيلا و الملك فيرناندو ! انها عقدة ثقافية مؤلمة يعيشها كل أوروبي منكر لفضل الثقافة العربية والاسلامية على أوروبا من حيث يعلم أو لا يعلم، ولكن هذا لا يعني بأنه لايوجد أوروبيون منصفون ولكن أصواتهم خافتة لأنه في حالة ابراز اراءهم في العلن وتدريسها في المدارس والجامعات فهذا يعني بأن المجتمع الأوروبي سيقول بصوت عالي بأن حضارة أوروبا الحالية هي حضارة عربية و اسلامية الأصل والمنشأ!

هناك بعض الأصوات العربية التي تدعو بنسيان الماضي وبعضهم ينكر على من يتكلم عن الانجازات الحضارية لأمتنا على مدى التاريخ ويزعمون بأن من يتكلم في هذة المواضيع يعيش في الماضي ولا يعمل للحاضر أو للمستقبل. هذا الكلام مردود على أصحابة لسببين.

السبب الأول هو جهل من يدعي ذلك بالثقافات الغربية قبل الشرقية. ففي المدارس والجامعات الاوروبية هناك تركيز كبير وممنهج على ابراز الهيمنة التاريخية للعرق الأبيض وبطريقة شبه مباشرة ومباشرة أيضا، فيزعموا بأنهم من أسسوا جميع العلوم وهم من طوروها وهم من حملوا رايات العلم في الافاق. الأعجب من ذلك هو أنهم يخفون حقائق لا يتم اخفائها فعلى سبيل المثال كانوا الفلاسفة اليونانيين القدامى يتعلمون ويتتلمذون على علماء مصر وبلاد مابين النهرين وبلاد فارس. فأرسطو كان على سفر دائم لمصر لينهل من علومها.

فحقيقة أن الاغريق هم أهل السبق العلمي والفلسفي هو في أصلة تزييف فاضح وواضح للحقائق التاريخية. السبب الثاني هو أن العرب حينما حكموا أوروبا الغربية، أسبانيا ونصف فرنسا لم تكن لديهم حساسية ثقافية وعقدة نقص حضارية بل نهلوا من العلوم الرومية، اليونانية، الهندية، الفارسية، الصينية، والمصرية وكونوا صرح حضاري مبني على الاندماج الثقافي والعلمي والحضاري. ناهيك عن التسامح الديني والتعايش السلمي الذي لم يكن له وجود في أوروبا. فمن الظلم أن يتم تهميش هذة الحضارة أو اختزالها بأي شكل من الأشكال. فهذا التهميش يولد لدى الشاب العربي الشعور باللا أهمية وكأنة عبء على الحضارات الأخرى كما يصورة البعض. العربي يستشعر حاله بأسى لأن مجتمعه لم يؤكد ويعزز أهميتة التاريخية الحضارية المستندة على حقائق لا يمكن اغفالها.

في الجانب الاخر تجد بأن الغرب نجح في تثبيت أفكار غير حقيقة تجعل أطفالهم ينشؤوا وهم متأكدين بأن نجاحاتهم الحالية هي نتاج نجاحاتهم التاريخية الممتدة من بداية التاريخ! وبلا أي فضل يذكر من الأمم الأخرى. بطبيعة الحال، جميع الأمم والحضارات أسهمت فيما وصلنا اليه والحضارة العربية والاسلامية كغيرها من الحضارات كان لها دور ومساهمه انسانية ممتدة الى هذا الوقت. حضارات الأمم تتناسل مع بعضها ولا يمكن فصل حضارة عن أخرى كما يفعل بعض الأوروبيين. في الختام وجدت بأن من المفارقات الغريبة هو أن الأوروبيون يشعرون بعقدة النقص الحضاري أمام العرب ! فهم يخفون ويزيفون تاريخهم لكي لا يعترفوا بفضلهم ! وهناك من العرب من يؤصل الافكار المزيفة عن جهل أو لوجود عقدة نقص من الغرب !

ولكل من يصمم من العرب بأن التحدث عن أمجاد العرب العلمية والحضارية يعتبر فكر رجعي فأرجو منه أن يتخيل لو كان هناك طفل تربى على أن أسرتة وآبائه واجداده على مر التاريخ الحديث والقديم فاشلون ومتأصل فيهم اتباع الآخرين ! فماذا ستنتظر من هذا الطفل حينما يكبر الا أمراض نفسية وثقة منعدمة في الذات ! الغرب اهتم في شرح الماضي بطريقة تعزز لدى الاوروبي الأبيض مكانتة التاريخية والحضارية وبعضنا يطالب بعدم التكلم عن هكذا أمور ! وباختصار، الأمة العربية جزء ثمين من حضارة الماضي والحاضر والمستقبل! وكبوة الجواد لاتعني وفاتة !

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي