النفط لا يوفر فرصاً وظيفية .. والحل في التنوع الاقتصادي

النفط لا يوفر فرصاً وظيفية .. والحل في التنوع الاقتصادي

أكد البروفيسور أندور سكوت المتخصص في علم الاقتصاد نائب عميد مدرسة لندن لإدارة الأعمال، أن تنويع مصادر الدخل هو القرار الصحيح لتحقيق التسارع في وتيرة نمو الاقتصاد السعودي وتوفير فرص وظيفية متعددة، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن النفط مصدر دخل قوي لاقتصادات معظم البلدان، ولديه مميزات ضخمة لدعم وتعزيز ميزانيات الدول، إلا أنه لا يوفر فرص عمل كثيرة لمعظم أفراد المجتمع، لذلك لا بد من انتهاج فكرة تنويع مصادر الدخل لتحقيق ذلك.
وقال البروفيسور سكوت في حوار مع “الاقتصادية” على هامش زيارته إلى السعودية أخيراً، إنه يتوقع خلال الـ 15 عاماً المقبلة، أن يكون لدول الخليج دور أكبر في مجال الاستثمارات باتجاه دول شمال إفريقيا بحكم وجود ثروتها المالية والنفطية، وقلة سكانها مقابل الكتلة السكانية في تلك المنطقة وثروتها الطبيعية وشح مواردها، وهذه ستكون مرحلة مهمة لتنمية الاقتصاد العربي، كما تحدث في الحوار عن أهمية البعثات الدراسية للطلاب السعوديين، ووجهة نظره في كليات إدارة الأعمال ورأيه أيضاً في أسواق المال العالمية ومستقبلها .. فإلى محصلة الحوار:

بداية نود أن تخبرنا عن الهدف الرئيس من زيارتكم الأولى للسعودية؟

كلية لندن لإدارة الأعمال نشطة في بلدان الخليج العربي، ونحن ندير برنامجاً ناجحاً جداً لإعطاء شهادة ماجستير في إدارة الأعمال للتنفيذيين في دبي، ونعطي مقررات تدريسية مفصلة لأغراض خاصة للتنفيذيين في المنظمات الكبرى في السعودية والكويت وعُمان.
لدينا أكثر من 200 خريج سعودي، ونحن باعتبارنا مؤسسة نأتي بصورة متكررة إلى المنطقة، لكن بالنسبة لي شخصياً هذه هي زيارتي الأولى. والهدف من الزيارة قضاء الوقت مع مجموعة الخريجين، والحديث حول أبحاثي الأخيرة ومناقشة التطورات في كليتنا، وكذلك أود أن أسمع من الزملاء عن الأمور التي تجري في السعودية.

هل لديكم خلفية عن النظام التعليمي في السعودية؟

لقد سمعت عن الاستثمارات والإصلاحات التي حدثت في قطاع التعليم في الفترة الأخيرة فقط.

أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز برنامجاً ضخماً يقضي بإرسال آلاف الطلاب في بعثات دراسية إلى الخارج في عدد من بلدان العالم، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، واليابان، ودول أخرى .. ما تقييمك لهذه الخطوة؟

المعرفة هدفها النمو والتطوير، فمنذ قرون عدة وهذه المنطقة تركز على التعليم. وإن إرسال السعودية مواطنيها من أجل الدراسة في المؤسسات العالمية حتى تحصل البلاد وتطلع على أفضل الأفكار حين يعود هؤلاء المبتعثون إلى بلادهم ويعملون على التطوير والتنمية في سياق محلي، يعد أمراً أساسياً في التنمية والتطوير في السعودية. ولا بد أن يقدم الجميع التهنئة للملك عبد الله على هذا القرار الحكيم، لأن هذه البعثات ستتيح للطلاب السعوديين فرصة الحصول على المعرفة والعلوم المرتبطة بالتكنولوجيا واكتساب المهارات العملية، حيث أصبح الطلب على التقنية من المهام الأساسية على مستوى العالم، وارتبطت هذه العوامل بالتنمية الاقتصادية، وبالتالي يعود هؤلاء الطلاب إلى السعودية وقد تشربوا بالمعلومات من خلال نهلهم العلم من جامعات عريقة ومشهورة في العالم.

هل لديك طلاب أو محاضرون سعوديون يعملون في التدريس أو يدرسون في جامعة لندن لإدارة الأعمال؟

لدينا نحو 20 طالباً يدرسون معنا حالياً في جميع مواد برنامجنا، من برنامج الماجستير في إدارة الأعمال للتنفيذيين إلى شهادة الماجستير في العلوم المالية في لندن.

هل لدى كليتكم علاقات أكاديمية مع الجامعات السعودية؟

لا توجد علاقات حتى الآن ونسعى لتطويرها.

ما نصيحتك للطلاب السعوديين المبتعثين للدراسة في الخارج فيما يتعلق باختيار التخصصات؟

سؤال جيد، بالنسبة لهذا الأمر فإن وجهة نظري سأبنيها على وجهة النظر المعمول بها في بريطانيا، مفادها أن أفضل مادة هي التركيز في التفكير والاعتقاد أولاً دون الاهتمام بمسألة الاختيار قبل التوجه في التفكير سواء كانت الدراسة في الفلسفة أو الهندسة، لكنك إذا تعلمت كيف تفكر فإنك تستطيع حل كل المشكلات التي تواجهك، وإذا نظرت إلى المستقبل البعيد فإن أهم مهارة يجب أن يكتسبها الجميع هي امتلاك مهارة المرونة. أعتقد أن العالم يتغير بشكل سريع، فالمطلوب التفكير بعمق في المواد التي تختارها لدراستها، وهذا هو المفتاح المهم في حياة الناس ومستقبلهم.

كيف ترى كلية لندن لإدارة الأعمال مقارنة بكليات الأعمال الأخرى في أنحاء العالم؟

أشعر بالاعتزاز حين أقول إن كلية لندن تعتبر من أرقى الكليات في إدارة الأعمال، وليس هذا هو تقييمنا نحن، إنما من قبل مراقبين خارجيين مثل صحيفة "فاينانشيال تايمز". إن طلابنا وهيئة التدريس في الكلية يأتون من جميع أنحاء العالم، ولا يوجد منظور مهيمن في غرفة الصف. هناك ميزة أخرى، وهي أنه رغم أننا نحتل مرتبة أكاديمية أولى، فإننا نركز في تدريسنا ليس فقط على النظرية، إنما على التطبيقات أيضاً.

قرأت في نبذة التعريف الخاصة بك أنكَ تعمل مستشاراً اقتصادياً لرئيس وزراء موريشيوس .. نرجو أن تعطينا فكرة عن هذه الجزيرة الصغيرة والمستقبل الاقتصادي لإفريقيا بصورة عامة؟

غالباً ما يشار إلى موريشيوس على أنها قصة نجاح إفريقية، على اعتبار أنها تغلبت على كونها مستعمرة عبيد سابقة، وتعتمد على محصول واحد، وفيها مستويات عالية من التنوع العرقي، لتصبح أمة من الدخل المتوسط. لقد فعلت ذلك من خلال القيادة، والمؤسسات التي تعمل على الاشتمال، والإصلاحات القائمة على السوق، التي تركز على النمو ذي القاعدة الواسعة. إن إفريقيا بصورة خاصة تبعث الحماس، ولديها عقد قوي يقوم على الأسعار القوية للسلع الأساسية وعلى السياسات الاقتصادية الجيدة، هناك إمكانات هائلة للنمو في المستقبل.

هل ترى أن كليات الأعمال في أنحاء العالم قامت بدورها تجاه الشركات والأسواق المالية في مجال تطوير الأعمال؟

بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تعرضت كليات الأعمال لانتقادات عديدة لأنها تركز فوق الحد اللازم على إعداد الناس للنجاح الفردي وإعطائهم الأدوات والتقنيات بدلاً من القيم والمواثيق الأخلاقية للسلوك. كانت للأزمة أسباب عديدة، ولا أعتقد أن هذا كان أحد الأسباب الرئيسة، لكنه ربما كان عاملاً مساعداً.
الأمر الأهم هو أنه منذ الأزمة أخذت المجتمعات في كل مكان تطلب من الحكومات والشركات كيفية المساهمة في نمو يقوم على قاعدة عريضة شاملة للجميع وعن أهدافها الاجتماعية الأرحب. كذلك تتوجه الحكومات نحو إعادة فرض وتعديل القوانين التنظيمية. وفي كلية لندن للأعمال كنا نعلِّم دائماً مادة حول الأخلاق، ونحن ندعم هذا المقرر بمواد عن الحكومة والمجتمع، وذلك حتى يرى طلابنا مضامين قراراتهم في مرحلة تتجاوز مجرد الأرباح، وأن يفهموا مطالب المجتمع الأرحب.
ما زالت بعض كليات إدارات الأعمال ترتبط بإدارات جامعات بعينها على الرغم من التوجه الجديد لاستغلالية هذه الكليات لتكون مدارس لإدارة الأعمال قائمة بذاتها ومستقلة ومتوسعة ومتخصصة في هذا المجال الأكاديمي .. ما تعليقك على هذا الأمر؟

هناك فرق كبير بين كليات إدارة الأعمال المنتمية للجامعات ومدارس إدارة الأعمال، لأن المدارس تعتمد في منهجها على الدراسة النظرية والتطبيقية والعملية معاً، بينما الكليات المنتمية للجامعات مناهجها نظرية باعتبارها مؤسسات معرفية فقط، وأرى أن مدارس العلوم الإدارية فروع رئيسة لتدريس المقررات الأكاديمية في هذا الجانب، وعلى الذين يريدون تشرب العلوم الارتباط بهذه المدارس.

باعتبارك خبيراً دولياً، ما رأيك في وضع الأسواق المالية في الوقت الحاضر؟

الأسواق المالية قوية إلى حد معقول، وأعتقد أنها لا تعكس وضع الاقتصاد العالمي الفعلي، من المؤكد أن الاقتصاد العالمي تعافى من الأزمة المالية العالمية. لكن لا تزال هناك تحديات، خصوصاً في أوروبا والصين. تعززت الأسواق المالية في الفترة الأخيرة بزيادة المدخرات العالمية وسهولة السيولة النقدية الناشئة من برنامج التسهيل الكمي، الذي أنشأ وضعاً من أسعار الفائدة المنخفضة بصورة عجيبة، ودفع بالمستثمرين إلى السعي وراء الأصول التي تحقق أعلى العوائد. والنتيجة أن هناك إمكانية نشوء فقاعات. لا أعتقد أنه ستكون هناك أزمة أو ركود اقتصادي في المستقبل القريب، لكني أعتقد أن من المرجح أن نشهد تقلباً في الأسواق، في الوقت الذي تبدأ فيه أسعار الفائدة في الارتفاع في الغرب.

كيف ترى دور وسائل الإعلام نحو القضايا الاقتصادية والمالية من حيث معالجتها للتقارير التي تنشرها؟

هناك في الغالب فجوة كبيرة بين النقاش الأكاديمي في الجامعات وبين النقاش في وسائل الإعلام، وهو نقاش له آثار سلبية في الجانبين. يشعر الأكاديميون في الغالب بأن وسائل الإعلام تركز فوق الحد على الأمد القصير، كما أنها ليست مجالاً للتحليلات المعمقة أو التعبير عن الشكوك، في حين أن وسائل الإعلام تشعر بأن الأكاديميين والجامعات مشغولة فوق الحد بالمواضيع التي تجري مناقشتها في المجلات الأكاديمية بالدقة العلمية. بطبيعة الحال من المهم أن تكون السياسات الاقتصادية ومواضيع النمو مفهومة ويتم توصيلها ومناقشتها على الوجه السليم، وإلا فإن النمو والإصلاحات ستتعرض لسوء الفهم في الغالب. إن أحداث السنوات السابقة زادت من اهتمام الناس بالاقتصاد والأعمال والشركات، من حيث دورها في مجتمع سليم، وينبغي أن نعمل على تشجيع هذا النقاش.

التنوع في مصادر الدخل سيجعل الاقتصاد السعودي من أسرع الاقتصادات في العالم نمواً هل توافق على هذا الرأي؟

يعلم الجميع أن النفط مصدر دخل قوي لاقتصادات معظم البلدان ولديه مميزات ضخمة، لكنه في الوقت نفسه يشكل صعوبات لبقية قطاعات الاقتصاد الأخرى، كما أن النفط لا يوفر فرص عمل كثيرة لمعظم الناس، لذلك لا بد من انتهاج فكرة تنويع مصادر الدخل لتحقيق ذلك، وهذا هو النهج السليم، كما أن الحكومة السعودية من خلال الإصلاح الذي يقوم على اتباع هذا النهج تعمل على تحسين البنية الأساسية وتطوير التعليم ودعمه، وهو الاتجاه الصحيح والسليم.

أصدرت العديد من المطبوعات والبحوث عن اقتصادات العالم، لكن لم نر أيا من هذه المطبوعات تتحدث عن اقتصادات العالم العربي؟

لم أؤلف أي كتاب عن الاقتصاد العربي، لكنني تحدثت كثيراً عنه في مناسبات متعددة، وأعتقد أن دول منطقة الخليج تسير في مرحلة جيدة وحققت مؤشرات اقتصادية مميزة خلال الـ 15 عاماً الماضية، ولم تشهد منطقة الخليج أي أزمات تذكر، بل شهدت إصلاحات اقتصادية وسياسية، وأتوقع خلال الـ 15 عاماً المقبلة أن يكون لدول الخليج دور أكبر في مجال الاستثمارات.

أندور سكوت.. 45 مؤلفاً في تخصصات علوم وقضايا الاقتصاد

يتمتع البروفيسور أندور سكوت أستاذ الاقتصاد، ونائب عميد كلية مدرسة لندن لإدارة الأعمال للبرامج بنطاق واسع من الخبرة التجارية، وقد تحدث في كثير من المناسبات الكبيرة للشركات والمنظمات في أنحاء العالم. وغالباً ما يُطلَب منه أن يتحدث في مناسبات ضمن برنامج القيادة في أوروبا وأمريكا الشمالية وإفريقيا والشرق الأوسط والصين، وهو مشهور بمهارته في توصيل معلومات تفصيلية للغاية عن الاقتصاد العالمي وتقديمها بطريقة مفهومة تبيّن أهميتها الحيوية للشركات والأعمال. وسبق أن درس البروفيسور سكوت في جامعتي هارفارد وأكسفورد، وكان مستشاراً للسياسيين ومسئولي البنوك المركزية ووزارات المالية. وفاز بجوائز عن أبحاثه وعن الامتياز في التدريس. وهو حاصل على ماجستير ودكتوراه من جامعة أكسفورد وماجستير علوم في الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد. وكان زميلاً في كلية "أول سولز" في جامعة أكسفورد، ويتلقى منحاً للبحث من المؤسسات والصناديق الأكاديمية على عمله في دورات الأعمال والسياسة الحكومية.
وتنشر أبحاثه بصورة منتظمة في أبرز المجلات الدولية، وهو يركز على قضايا دورات الأعمال والسياسة النقدية وسياسة المالية العامة. وهو متحدث طلق وواضح وماتع. إضافة إلى مناصبه الأكاديمية بصفته أستاذ الاقتصاد ونائب العميد في كلية لندن للأعمال، ويعد البروفيسور سكوت متحدثاً رئيساً ذا شخصية ساحرة في المؤتمرات الاقتصادية.
ولسكوت أحاديث متنوعة في مجال قضايا الاقتصاد أبرزها: ضعف النمو الغربي، وآفاق اقتصادات النمو، آفاق للقطاع المالي، التحول في الجغرافيا الاقتصادية، إضافة إلى الحديث عن الأنظمة والتغيّرات السكانية والاستدامة.

الأكثر قراءة