FINANCIAL TIMES

حان الوقت لأن يفتح دراجي بوابات السد

حان الوقت لأن يفتح دراجي بوابات السد

ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، أعطى مؤشراً واضحاً الأسبوع الماضي بأن تخفيف السياسة النقدية سيصل في حزيران (يونيو) ومن شأن ذلك أن يكون موضع ترحيب. وسيكون مجيئه إلى حد كبير بعد فوات الأوان، وفي جميع الاحتمالات، دون الحد اللازم. أنقذ دراجي الموقف في تموز (يوليو) 2012، عندما أعلن أنه "ضِمن مهمتنا، سيكون البنك المركزي الأوروبي على استعداد للقيام بكل ما يتطلبه الأمر للحفاظ على اليورو. وصدقوني، سيكون كافيا". إنه يحتاج إلى أن يعد بأن يبذل كل ما يتطلبه الأمر مرة أخرى، للقضاء على الطاقة الفائضة وزيادة التضخم إلى 2 في المائة. وإن لم يفعل، فإن الأزمة قد تعاود كرتها. كنت قد تشككت فيما إذا كان برنامج البنك المركزي الأوروبي للتعاملات النقدية المباشرة سيكون ناجحاً. لكن في النهاية، هذا الوعد المشروط من قبل البنك المركزي بشراء السندات الحكومية في الأسواق الثانوية أثبت فاعليته في إيقاف حالة من الذعر إلى درجة أنه لم تكن هناك حاجة أبداً لتنفيذه. جنباً إلى جنب مع التزام البلدان التي هي عرضة للتقشف والإصلاح، حرر هذا أسواق السندات السيادية. وصناع السياسة والمستثمرون المتهاونون يتخيلون أن الأزمة انتهت. أحد المؤشرات هو الانخفاض في العائدات على السندات لأجل عشر سنوات. ففي الثامن من أيار (مايو)، كانت السندات الإيرلندية تحقق عوائد بنسبة 2.7 في المائة، والإسبانية، 2.9 في المائة، والإيطالية، 3.0 في المائة، والبرتغالية 3.5 في المائة. وحتى السندات اليونانية حققت عوائد نسبتها 6.2 في المائة فقط. هذه البلدان جميعاً كانت لديها فوائض في الحساب الجاري العام الماضي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الطلب المحلي كان قد انهار ويعود ذلك جزئياً إلى تحسن القدرة التنافسية. فهي لم تعد تطلب تدفقات صافية لرؤوس الأموال. وحين يقترن ذلك مع تجديد الثقة في السوق، يعمل هذا على عكس الاختلالات في التمويل، الذي كان قد ترك بعض البنوك المركزية الوطنية في منطقة اليورو مدينة بمبالغ طائلة للآخرين. وبحسب تقرير الآفاق الاقتصادية الجديد من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي هذا العام 1.9 في المائة في إيرلندا، و1.1 في المائة في البرتغال، و1.0 في المائة في إسبانيا، و0.5 في المائة في إيطاليا. وهذا انعطاف جذري يعتبر موضع ترحيب. لكن في نهاية العام الماضي، كانت هذه الاقتصادات ما بين 6 في المائة و9 في المائة أصغر مما كانت عليه قبل الأزمة. فالبطالة مرتفعة جداً، خصوصا في إسبانيا، ولا تزال اليونان في وضع أسوأ، علاوة على أن أسواق الائتمان لم تنتعش بعد كما يظهر من الآفاق الاقتصادية. والأهم من ذلك، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بحلول عام 2015 سيكون الدين العام الإجمالي الإسباني 109 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والإيرلندي 133 في المائة، والبرتغالي 141 في المائة، والإيطالي 147 في المائة، واليوناني 189 في المائة. وحتى إذا ظلت عوائد السندات عند مستويات منخفضة وتمتعت هذه الدول بميزانيات أولية متوازنة (قبل مدفوعات الفائدة) إلى أجل غير مسمى، يجب أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بمعدل يقارب 3 في المائة سنويا (في حالة اليونان، المعدل أكثر بكثير) فقط للحفاظ على الدين العام عند نسبة مستقرة. وإذا كانوا يريدون خفضه، كما ينبغي لهم بموجب الميثاق الجديد في المالية العامة، يجب أن تكون الميزانية أكثر إحكاماً، أو النمو أعلى، أو كليهما. ونمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي يعتمد على معدلات النمو الحقيقي ومعدلات التضخم. لكن على الرغم من أن ارتفاع معدل التضخم من شأنه أن يخفف من عبء الدين العام، تحتاج البلدان الضعيفة أيضاً إلى تحسين القدرة التنافسية مع البلدان الأساسية، سواء من خلال نمو أعلى في الإنتاجية أو تخفيض معدل التضخم. وفي هذه السنة حتى آذار (مارس) كان التضخم في الأسعار الاستهلاكية الأساسية في اليونان والبرتغال وإسبانيا سلبيا، في حين كانت نسبته 0.6 في المائة في إيرلندا و0.9 في المائة في إيطاليا. ومع ذلك لم يكن معدل التضخم الأساسي في منطقة اليورو سوى 0.7 في المائة فقط والتضخم الألماني 0.9 في المائة. وهذا يجعل عملية التكيف صعبة. لنفترض مواصلة البلدان الضعيفة تقدمها مع تضخم نسبته صفر. إذن ستحتاج اقتصاداتها إلى النمو بمعدل حقيقي 3 في المائة لتحقيق الاستقرار في نسب الدين العام، إلا إذا شغلت الفوائض المالية الأولية. وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن اليونان ستشغل الفائض المالي الأساسي الهيكلي لنحو 7.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وإيطاليا لما نسبته 4.7 في المائة، والبرتغال لما نسبته 3.5 في المائة هذا العام. وتراهن الأسواق على أن مثل هذا التقشف سيستمر إلى أجل غير مسمى. وإذا لم يستمر - كما هو من السهل أن نتصور – يمكن للأزمة أن تعاود كرتها بسرعة. كيف يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يساعد؟ في نهاية العام الماضي كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو أقل من الربع الأول من عام 2008 بنسبة 3 في المائة. وهذا يعتبر علامة على الطاقة الفائضة. علاوة على ذلك، M3 - وهو مقياس واسع لعرض النقود - نما بشكل تراكمي بنسبة 7 في المائة فقط بين أيلول (سبتمبر) 2008 وآذار (مارس) 2014، في حين توسع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة 4 في المائة فقط بين الربع الأول من عام 2008 والربع الرابع من عام 2013. وبشكل مثير للدهشة، الميزانية العمومية للبنك المركزي آخذة الآن في التقلص. والبنك المركزي الأوروبي يفشل فشلاً واضحاً في القيام بعمله، إذ ينبغي للسياسة النقدية الأكثر توسعية أن ترفع الناتج بشكل حاد والتضخم ببطء. افترض الآن أن التضخم الأساسي كان 2 في المائة وأن اقتصاد منطقة اليورو أقوى بصورة دورية. هذا قد لا يرفع العوائد على سندات البلدان الضعيفة بالمقدار نفسه، لأنه ينبغي أن يعزز الثقة في قدرتها على النمو من الصعوبات التي تواجهها. وعلاوة على ذلك ينبغي للسياسة التوسعية رفع التضخم في البلدان الأساسية أكثر مما كانت عليه في البلدان الطرفية، حيث يتم تركيز الطاقة الإنتاجية الفائضة. ومن شأن ذلك أن يعجل بالتعديلات التنافسية أيضاً. البنك المركزي الأوروبي على حق في الجدال بأنه لا يمكن حل مشكلات منطقة اليورو من تلقاء نفسها. ومع ذلك، ينبغي له أن يفعل ما هو أكثر بكثير من أجل توليد النمو في الطلب تمشياً مع الإمكانيات. ويمكنه أن يساعد أيضاً على تعزيز الائتمان في البلدان الأضعف. باختصار، إنه يحتاج مرة أخرى لإظهار الخيال الذي أثبته مع التعاملات النقدية المباشرة. إن التوجه نحو أسعار الفائدة السلبية يعد جزءا من الجواب. وينطبق الشيء نفسه على برنامج مشتريات الأصول الذي من شأنه أن يوسع الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي من خلال شراء أصول الدين المضمونة من القطاع الخاص والسندات الحكومية. وبإمكان هذا أيضاً تقليص التفكك المستمر في أسواق الائتمان عبر منطقة اليورو. فضلاً عن ذلك، إنشاء أسواق للأصول المورقة مالياً، في البداية بدعم من المركزي الأوروبي، لا بد أن يكون جزءاً من الهروب من الأزمة. وتلعب البنوك دوراً كبيراً فوق الحد، فإذا تبين من مراجعة نوعية الأصول التي يقوم بها "المركزي الأوروبي"، وجود فجوات كبيرة في رأسمال البنوك، فستحتاج منطقة اليورو إلى خطة لسد هذه الفجوات. وإذا تحقق كل ذلك بقوة حقيقية، فربما تتوقف منطقة اليورو عن التعثر وتستعيد قدرتها على الحركة. باختصار، الثقة في الانتعاش باعثة على التشجيع، كما أن انتعاش النمو هو موضع ترحيب. لكن الثقة هشة والانتعاش ضعيف دون الحد. وسلطات منطقة اليورو، خصوصاً "المركزي الأوروبي"، هي الجهة الفاعلة الوحيدة التي تستطيع، والتي لا بد لها أن تفعل أكثر من ذلك بكثير. إن تجنب الكارثة لا يزال غير مضمون. ولا بد أن يكون الهدف هو تأمين انتعاش صحي. ومن واجب البنك المركزي الأوروبي أن يحقق هدفه التضخمي ويعزز أسواق الائتمان، ولا بد له أن يفعل كل ما يلزم. وهو حتى الآن لم يفعل ما فيه الكفاية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES