«أنين الأماكن» والهم السياسي يسيطران على جائزة «البوكر» العربية لهذا العام

«أنين الأماكن» والهم السياسي يسيطران على جائزة «البوكر» العربية لهذا العام
«أنين الأماكن» والهم السياسي يسيطران على جائزة «البوكر» العربية لهذا العام

تعكس الروايات المرشحة لجائزة البوكر العربية لعام 2014، امتداداً لما يحدث على الساحة العربية من ثورات وأحداث سياسية تعبر المنطقة، ومحاولة التنفيس عن الوجع الناتج من الهم السياسي، لا سيما في ظل وجود روائيين قادمين من دول مثخنة بألم الصراع والانقسام كالعراق وسورية.
الغريب هو ترشح رواية "الفيل الأزرق" للروائي المصري أحمد مراد. رواية تحمل علائم بوليسية، ومزيجاً عجيباً من العبارات العامية المصرية، والإنجليزية، في محاولة لرصد جيل الشباب المصري، من الطبقة المرفهة. وعلى الرغم من أن الرواية فعلاً تحمل الطابع التشويقي، وترغمك على تقليب الصفحات وتشرّب أحداثها، إلا أنها بعيدة عن الذائقة اللغوية، والقيمة الأدبية. عبارات تزعجك كـ "أنت مجنون يا Man"، و"سلمي على أونكل"، و"شريف كان هيموت على Baby" تدفعك لعدم تصديق ترشح هذه الرواية لجائزة البوكر، ومحاولة معرف السر وراء ذلك. يظهر تأثر أحمد مراد بدراسته التصوير السينمائي، من خلال حرفيته في سرد أحداث طبيب نفسي فقد عقله، واتهم بجريمة قتل. ويأتي التفات أعضاء لجنة جائزة البوكر، بعد اشتهار روايته "فيرتيجو" التي استحالت لمسلسل تلفزيوني لعام 2012، وترجمت لعدّة لغات.
وعلى الرغم من تأكيد رئيس لجنة التحكيم الأكاديمي السعودي سعد البازغي، بأن لجنة التحكيم لم تنظر إلى جنسية الكاتب أو منطقته الجغرافية، بل ركزت على النص الروائي، نجد اكتساح كل من العراق وسورية والمغرب ومصر، للترشيح على الجائزة، وميلا أكثر للمواضيع السياسية.
من الروايات اللافتة المرشحة لجائزة البوكر لهذا العام، رواية "طشاري" للروائية العراقية إنعام كجه جي، التي ترشحت روايتها "الحفيدة الأمريكية" في عام 2009، وعلى غرارها يأتي ترشح رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" للروائي السوري خالد خليفة، الذي ترشحت روايته الشهيرة "في مديح الكراهية" في عام 2008. وفي ذلك ابتعاد كل البعد عن نمط الرواية التي ظفرت بجائزة البوكر العربية لعام 2013، "ساق البامبو" للكويتي سعود السنعوسي، الأقرب لمحاولة الغوص في إشكاليات هوية الآخر في المجتمع الخليجي، وهو سرد مختلف بنوعيته وجوهره عن المعتاد.
"الأمكنة التي لا تعنينا لا نسمع أنينها".. ترتقي رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" لخالد خليفة، في ميكانيكية "الحفر العميق في آليات الخوف والتفكك خلال نصف قرن". كما يصف الناشر عن الرواية التي تشي بسوداوية الزمان والمكان، وإن كانت في حقبة الرئيس السوري الأب حافظ الأسد، وقبل أن تنهال ويلات الأزمة السورية الحالية. حيث القنوط يولّد محاولة الانتحار بسكين المطبخ. ليسأل أحدهم بحرقة: "ألا توجد سكاكين في مطابخ هذه المدينة"؟
استهلت رواية خالد خليفة بموت الأم الذي كان ينتظره أفراد عائلتها، بسبب تشكيها الدائم من نقص الأوكسجين، وإيمانها بأن القوة والبطش لا يموتان. يظهر تأثر وشبه كبير بالفيلم الألماني "وداعاً لينين". كوجود امرأة أجنبية خطفت قلب الأب فهجر أسرته. وسقوط الأم التقليدية في غيبوبة، تنتظر الأسرة استفاقتها منها، وتوقف هذيانها الدائم عن توابيت تعبر صالون منزلهم. بشكلٍ عام، يظهر المكان في رواية خليفة مكتظاً بالموت يتمدد ثقيلاً في شوارع حلب الموحشة. التفكير بأن حلب مكان زائل كما النسيان. الأم التي تعبر عن المكان الموحش كان جسدها قبواً مهجوراً تفوح منه روائح البول وجثث فئران ميتة لم ينتبه أحد إلى تفسّخها. لم يستطع أحد تفكيك سر هذه الروائح الكريهة التي كانت تنبعث من جسدها.
"لا سكاكين في شوارع هذه المدينة" هي قصة عائلة تصاب بخيبة العودة من السفر مثقلين بالهموم. واكتشاف ماذا يحصل لهم حين يغادرون أمكنتنهم. رواية عميقة المعاني، تظهر عائلة حيث "جميعنا نسير في البيت غرباء أحدنا عن الآخر". وحين يعود أفراد الأسرة من محاولات خائبة للهجرة يكتشفون أن "الشيء الوحيد المهم هو اكتشافنا بأننا أصبحنا معطوبين". وبأن "العودة للبحث عن العائلة تعني فشلنا جميعاً في البحث عن ذاتنا". وإن كان في الرواية مبالغة بوصف الرغبات المكبوتة والمستترة، والشعور بالريبة حيال الآخرين، فالوجوه المتقابلة لا يمكن لها أن تتصادق.
من جهتها تظهر رواية "طشاري" للروائية العراقية إنعام كجه جي، مسطحة لا ترتبط من خلالها بتلك الشخصيات المبنية بجسدها، فلا تصل لمرحلة تعاطف أو كره للشخصيات. ليعود التساؤل إن تم اختيار رواية "طشاري" بناءً على تنفيسها عن تلك الاضطرابات.
الموت والمآسي تخنق شخصيات الروايتين التي جاءت من العراق وسورية. الروايتان تشتركان في التعبير عن معاناة وفي أوجه شبه أخرى كالموت والهجرة والولادة.
تستهل رواية "طشاري" بطبيبة ثمانينية، تجد نفسها لاجئة وحيدة في قارة وحيدة، تشتتت عوائلهم، كل واحد منهم يقيم في قارّة. تنبهر بالجو الباريسي، وقصر الإليزي، وخلوها من العساكر والبنادق والرشاشات والشوارب الكثة ونظرات تقدح شرراً. وتمتعض بتشتت الأهل، كأن جزاراً تناول ساطوره وحكم على أشلائها بأن تتفرق في كل تلك الأماكن، كما يرمز عنوان الرواية "طشاري" "الأعزّاء الذين تفرقوا "مثل الطلق الطشاري"، ما عاد يمكن لشملهم أن يجتمع إلا في أطلس الخرائط".
تطغى على الرواية مواضيع تقليدية، كامتهان وردية الطب. لتحرق أول 85 صفحة في تركيزها على تجربتها وكأنها منفردة بها. لا توجد عقدة للرواية، تحاول الشخصيات تجاوزها. كل الشخصيات هائمة متشردة تشعر بالألم والوحشة بالغربة. تتمنى لو كان للهاتف ذراعان يسمحان بالاحتضان. "تتراكم السنوات وتمضغ معها من تختار من الأحبّة. لا تعود الذاكرة قادرة على اقتناص صورهم".
تأتي أزمة ضياع هوية المكان: "وعندما صارت الهجرة حقيقة واقعة، خافت أن يسيح الوطن مثل قالب ثلج في تموز، وتنقط مياهه على الغلاف الأخضر الشمعي لجواز السفر". "وكان الوطن عاقاً بها، نبذها وهي في آخر العمر، ولم يشملها بخيمة حمايته". وضياع هويتها هي باختفاء المكان "كانت أميرة في بغداد، وأصبحت عاطلة تبحث عن عمل في بلاد الغير". ويهفو الجميع إلى الهجرة وإقناع النفس بأن المهاجر الجيد، هو المهاجر المندمج. وفي نهاية الرواية "العراقي الجيد، هو المهاجر الجيد".
تظهر جمالية الحبكة في ابتداع الابن اسكندر لمقبرة افتراضية. تمددت شاشته واتسعت وصارت مأوى مثالياً للمخاوف العابرة، مرقداً مؤقتاً لموت متعدد الوجهات. وكلما جاء ساكن جديد، حمل هيكله العظمي على كتفيه، وهب أقاربه وأحبابه الموتى من قبورهم والتفوا حوله يرقصون ويهرجون. وأسرعت الحوريات الإلكترونيات إليه، يغسلن عظامه بنقيع الزعفران ويسترن هزاله بسعف النخيل.
في الحين الذي تظهر فيه شخصية سوسن في رواية "لا سكاكين في شوارع هذه المدينة" وهي تدحض فكرة الموت فهي لا تحتاج إلى أي شيء ينتهي، النهايات تفزعها. تخيلت عالما خرافيا لا يموت فيه أحد. في رواية "طشاري" كانت سعيدة وهي تأتي بالأجنة إلى الحياة ثم تمسح عرقها. وفي رواية "لا سكاكين في شوارع هذه المدينة" يصر "جان" على أنه لن يكون أحمق ليأتي بولد إلى شوارع هذه المدينة القذرة، التي تحولت إلى مكان للقتل. وحيث إن "الأشياء حين تأتي متأخرة بما فيه الكفاية يجب أن ننساها مرة واحدة وإلى الأبد".

#2#

الروايات الثلاث الأخرى المرشحة لجائزة البوكر هي "فرانكشتاين في بغداد" للروائي العراقي أحمد سعداوي، و"طائر أزرق نادر يحلق معي" للروائي المغربي يوسف فاضل و"تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية" للروائي المغربي عبد الرحيم لحبيبي. وسيتم الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية قريباً، بتاريخ 29 نيسان «إبريل» 2014.

الأكثر قراءة