ماذا بعد؟

سؤال قد يكون غريبا على مَن يقرأه في البداية، إلا أنه في حقيقة الأمر سؤال من الأسئلة التي تستخدم في الدراسات الاستشرافية التي تهتم بما يمكن أن يحدث مستقبلاً عندما يحدث هذا أو ذاك الشيء، الذي من المحتم والمعلوم حدوثه، وذلك بناء على حيثيات وحقائق ترسخت لدى الناس، إما كجزء من المعتقدات الدينية التي ثبتت بنصوص شرعية، وإما بناء على حقائق عقلية مبنية على أبحاث ودراسات وحقائق ماثلة على أرض الواقع.
الهدف من هذا السؤال معرفة التغيرات التي ستحدث في البيئة أو المجتمع أو للفرد، وذلك عندما تحدث هذه الوقائع التي من المؤكد حدوثها فعلى سبيل المثال يتساءل الفرد: ماذا سيحدث بعدما أتخرج في الجامعة؟ وماذا سيحدث عندما أتخرج في الثانوية هل سأقبل في الجامعة، أم ألتحق بسوق العمل مباشرة؟ وعلى الصعيد الاجتماعي من حق المجتمع أن يسأل: ماذا لو نفدت ثروة وطنية في بلد من البلدان التي تمثل حجر الأساس في اقتصاد ذلك الوطن ما التغيرات التي ستحدث؟
دول كدول الخليج - على سبيل المثال - التي يمثل النفط والغاز عصب الحياة فيها، وبسببه حدثت تغيرات بيئية واجتماعية وسلوكية، أو لو نفد اليورانيوم من دولة تعتمد عليه في تسيير اقتصادها، أو لو نفد الذهب والألماس، ماذا سيحدث ونحن نعلم أن هذه الثروات نافدة في يوم من الأيام، لأن المعلومات المتوافرة الآن بشأنها تؤكد أنها بكميات محدودة.
لمعرفة ماذا سيحدث يستدعي الأمر معرفة واسترجاع كيف كانت حياة الناس قبل مصدر ثروتهم الحالية، أي كيف كانت حياة الناس قبل النفط في البلد المنتج له، أو كيف كانت حياة الناس قبل الذهب والألماس في الأوطان المنتجة له، وهكذا مع أي ثروة أخرى في حال نفادها.
ما من شك أن خللاً وتراجعاً في حياة الناس سيكون إحدى النتائج التي تحدث، فوسائل المواصلات لن تكون كما هي عليه الآن، وكذلك المساكن، وظروف المعيشة، ونمط الحياة، ونوع الأغذية، والمنتجات الزراعية، والأثاث، واللباس، ومياه البحر المحلاة التي أصبحت العماد في شرب الناس وطبخهم بشكل يومي، وغيرها كثير، هذه التغيرات على افتراض عدم وجود بديل اقتصادي آخر يحل محل المصدر الاقتصادي الحالي.
السلوك البشري في علاقته بالبيئة أو مع الآخرين سيكون عرضة للتغير والتبدل والتأثر بافتقاد المصدر الاقتصادي القائم، فالسلوك الحضاري، الذي اكتسبه الإنسان بفعل التربية والتعليم قد يغيب مع الوقت لافتقاد الأجيال القادمة فرصة التعلم، وذلك لعدم توافره، ومن ثم قد يفتقد النظام وتسود الفوضى، وتكون الغلبة للقوي في جسده وليس عقله.
ما سبق يمثل احتمالات ذات طابع سلبي إلا أن هناك من ينظر للموضوع من زاوية مختلفة، إذ قد يرى في نفاد المصدر الرئيس للاقتصاد سبباً للبحث عن بدائل تحفظ لهم مستوى المعيشة الذي اعتادوه، كما أنه قد يكون سبباً في ابتكار أساليب حياة من نوع مختلف عما كانوا عليه، لكن بالمستوى نفسه، إضافة إلى إمكانية التقارب الاجتماعي والتلاحم بين الأسر بدلاً من حالة الفتور في العلاقات، إن لم يكن الانقطاع والتباعد الذي حدث بفعل الحياة المعاصرة.
البيئة بما تعانيه في الوقت الراهن من تلوث، وبما تعانيه من سوء تعامل معها قد تكون أحد الرابحين من التغير الذي سيحدث عندما يحين موعد نفاد مصدر الاقتصاد الوحيد أو الأساسي، ومع هذه الحقيقة المتمثلة في نفاد أي مصدر طبيعي يلزم السؤال: هل المخططون يدركون الحقيقة ويعون ما يجب فعله حين حدوثها، أم أن الأفضل أن نترك الأمور تسير والعجلة تتحرك حتى تأتي تلك اللحظة لنفكر في الأمر في حينه بدلاً من إزعاج أنفسنا بأمور مستقبلية قد لا نملك أن نفعل إزاءها شيئا؟
قد يقول قائل هذا سؤال افتراضي يجنح إلى الخيال ولا داعي للتفكير والانزعاج بشأنه، لكن وكما يقال، لغة الأرقام لا تكذب خاصة إذا أسست على دراسات وبحوث علمية.

د. عبد الرحمن الطريري

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي