مشاريع الهند الصغيرة بين مطرقة الدولة وسندان الاقتصاد

مشاريع الهند الصغيرة بين مطرقة الدولة وسندان الاقتصاد

هناك مزيج غريب من الشركات تحت سقف واحد، لكن بيم شاندرا ماتو أوجد وسيلة بارعة لزيادة الدخل من شركة الخياطة العائلية، عبر توصيلها بكمبيوتر أتاح له التواصل عبر شبكة الإنترنت، فبدأت الشركة تكسب نحو 200 روبية "3 دولارات" يومياً من تحميل وبيع الموسيقى -معظمها من الأغاني الشعبية- للزبائن العابرين.
شركة شانكار للخياطة و"ما" للكمبيوتر واحدة من عشرات الشركات الصغيرة التي ظهرت خلال العقد الماضي على طول الطريق الترابية في كيرووا، وهي قرية في غرب البنغال بالقرب من بوروليا، عاصمة المقاطعة، وسبع ساعات براً عن المدينة المزدحمة كولكاتا "التي كانت تعرف سابقاً باسم كالكوتا".
المتجر الذي يديره ماتو وشقيقه الخياط يودهيسثر ليس براقاً تماماً -طابعة الكمبيوتر مغلفة بطبقة من الغبار والأضواء مغطاة بخيوط العنكبوت المسودة - ولكنه يساعد في دعم أربعة أشقاء وأطفالهم - ما مجموعه 13 شخصاً، لم يكن لآبائهم وأجدادهم مصدر دخل غير الزراعة.
يقول ماتو البالغ من العمر 32 عاما، يرتدي سترة بيضاء، غطّاها على عجل بقميص عند ظهور المصور؛ حيث تهب رياح صيفية حارة من خلال القرية في وقت مبكر: "نحن نتدبر أمرنا حتى لا نقع في الحاجة. ذلك الجزء الصغير من السوق ظهر هنا- لم تكن هذه السوق موجودة عندما كنت طفلاً. الكثير من الأشخاص بنوا هذه المحال في منازلهم لبيع الأشياء، وغيرهم استأجر مساحة لتوهم، وهم يحاولون بذلك كسب لقمة العيش".
تُروى قصص مماثلة من نهاية الشارع إلى النهاية الأخرى، حول كيفية حراك مزارعي الكفاف المتردد المبدئي إلى المراتب الدنيا من الطبقة المتوسطة في الهند، حيث يحاول شعبها البالغ نحو 1.3 مليار شخص التحضر والتمدن ومتابعة الأسواق الناشئة الأخرى، على طول الطريق إلى الازدهار.
الشركات ابتداء من هندوستان يونيليفر ونستله إلى نوكيا وهوندا تستهدف منذ فترة طويلة العدد المتزايد الهنود الطموحين باعتبارهم سوقاً لكل شيء، من معجون الأسنان إلى الدراجات البخارية. وفي السنوات العشر الماضية وحدها زادت ملكية السكان للهاتف الجوال في مختلف أنحاء الهند من 7 في المائة إلى 82 في المائة.
تعتبر مثل هذه المكاسب هشة. في غياب وظائف التصنيع من النوع المنتشر على نطاق واسع في الصين، يجب على الهنود الذين يخرجون من فقر الأرياف أن يشقوا طريقهم كأصحاب مشاريع صغيرة أو كعمال في قطاع الخدمات. إلا أنهم يظلون عرضة للتغييرات في سياسة الحكومة، أو للمصائب مثل الانخفاض المفاجئ بمقدار النصف لمعدل النمو الاقتصادي، الذي شهدته الهند في السنوات الثلاث الماضية.
في تحليل جديد أجرته صحيفة "فاينانشيال تايمز" يكشف عن مقدار الخطر الذي يتعرض له نحو مليار شخص في البلدان النامية بفقدان وضعهم الذي اكتسبوه حديثا في الطبقة المتوسطة، والوقوع مرة أخرى في براثن الفقر، إذا استمر النمو في الأسواق الناشئة في التباطؤ. في الهند هناك مضاعفات إضافية، وهي التبعية الثقيلة في الاعتماد على الإعانات الحكومية.
لنأخذ ماتو مثالاً. يمكنه هو وعائلته شراء الأرز بسعر مدعوم يبلغ روبيتين للكيلوجرام الواحد، وكذلك شراء الدقيق والنفط والكيروسين للطهي والأسمدة لحقول الأرز التي يملكونها بالأسعار نفسها الرخيصة. في بعض الأحيان كان يجني 130 روبية يومياً من العمل على الطرق المحلية، في إطار برنامج حكومي لخلق فرص العمل في المناطق الريفية، على الرغم من أنه وغيره من سكان كيرووا يقولون إنهم لم تعرض عليهم مدة المائة يوم الكاملة من العمل، الذي يفترض أنها مضمونة بحكم البرنامج.
يُنسَب الفضل إلى الإعانات في زيادة الدخل في المناطق الريفية، وهو ما خلق تحولاً مبدئياً للخروج من الفقر المدقع، وهو تحول يحرص الهنود على استدامته. إنفاق الهند على الإعانات والخدمات الأساسية "البالغ 95 مليار دولار سنوياً" ضروري ليس فقط للمعدمين، ولكن أيضاً للداخلين الجدد ضمن الطبقات المتوسطة الذين يناضلون للإفلات من الفقر.
خلصت دراسة جديدة في الهند من قبل معهد ماكينزي العالمي إلى أنه إضافة إلى الهنود الذين يعيشون تحت خط الفقر، البالغ عددهم 267 مليون شخص، هناك المزيد من الأشخاص يقدرون بنحو 413 مليون -أي عدد سكان أوروبا الغربية- تحت "خط التمكين"، وهذا يعني الوفاء بالاحتياجات الأساسية مثل الصرف الصحي والمدارس والمساكن. الإعانات والرعاية هي قضايا خلافية في الانتخابات العامة الحالية.
أشار الائتلاف الحاكم الذي يميل الى اليسار بقيادة حزب المؤتمر إلى أن حزب المعارضة بهاراتيا جاناتا، من شأنه أن يسعى إلى تقليص الإعانات وغيرها من الخدمات للفقراء.
حزب بهاراتيا جاناتا، الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات، يصر على أن هدفه هو التصدي للفساد وتحسين الكفاءة -نحو نصف مبلغ الـ 95 مليار دولار سُرقت أو أهدرت- لإنعاش النمو وخلق فرص العمل في القطاع الخاص.
كلا الحزبين يريد إنشاء الطبقة الوسطى في الهند، وكلاهما يعلم أن الهنود الذين خرجوا حديثاً من الفقر معرضون لخطر الانزلاق إلى أسفل السلم.
وفقاً لشركة ماكينزي، فإن الفرق بين أن تكون مباشرة فوق خط الفقر، وأن يجري "تمكينك" في الهند هو 462 روبية فقط "8 دولارات" للشخص الواحد في الشهر.
لا يقتضي الأمر إلا قدراً يسيراً من سوء الحظ -وقوع حادث أو وفاة أحد الأقارب- لإغراق أسرة بأكملها في هاوية الفقر المدقع. في منطقة كيرووا، حيث تتفشى الملاريا وسوء التغذية، يتحدث كثير من الناس عن هذه الأنواع من الصعوبات. وقال أحد الرجال لنا إنه لم يعد قادراً على العمل في الزراعة أو أي عمل آخر بعد أن صدمه قطار.
بدا أن الجميع تقريباً يعتمدون إلى حد ما على شكل ما من أشكال المساعدة الخارجية، سواء من الحكومة، أو من قريب حضري أكثر ثراء أو من مُحسِن.
يقول خوديرام موندول، "لقد ارتفعت من الصفر"، وهو رجل يبلغ من العمر 42 عاماً، ويدير صيدلية محلية. ويتم تمويل أعماله وتعليم أبنائه من قبل أخ أكبر، الذي عمل بجد في المدرسة، وبمساعدة قرض استلمه والده وأستاذ صديق، تمكن من أن يصبح طبيبا.
كما يقول عن كيرووا: "إنها ليست مدينة، ولكن بالنسبة لكونها قرية فإن هذا أحسن ما لديها". ماذا عن أولاده؟ يجيب: "إذا عملوا بجد فإنه يمكنهم أن يتركوا هذا المكان، ويذهبوا خارجاً ويحصلوا على حياة أفضل".
كان هذا حلم الطبقة الوسطى الطامحة في الثورات الصناعية في أوروبا وآسيا. والهند، على ما يبدو، لا تختلف عنهم.

الأكثر قراءة