850 ألف مكيّف مخالف .. مفاجأةٌ أم استهتار؟

هل هي مفاجأة أمْ استهتارٌ انكشفتْ حقيقته المستترة، أنْ تفصح 24 منشأة تجارية عن أكثر من 850 ألف مكيّف في مستودعاتها غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الخاصّة ببطاقة كفاءة الطاقة؟ وذلك حسبما ورد في إعلان وزارة التجارة والصناعة منتصف الأسبوع الماضي، هذا عدا مصادرة الوزارة لنحو 56 ألف مكيّف مخالف لكفاءة الطاقة، تمَّ مصادرتها من المحال والمخازن عبر مناطق المملكة المختلفة، منذ بدء حملتها مطلع العام الجاري.
بالرجوع إلى الجهود التي بذلتها الأجهزة الحكومية المعنيّة بملف كفاءة الطاقة طوال العامين الأخيرين، واللقاءات العديدة التي عقدتها بحضور ومشاركة جميع المنشآت العاملة في مجال إنتاج أو توريد أو توزيع المكيفات، تم خلالها إيضاح الصورة كاملة لتلك المنشآت حول المواصفات الجديدة، والمواعيد المحددة للتطبيق، حيث بدأ البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة في مطلع 2012 بمشاركة الجهات المعنيّة كافّة في الجهاز الحكومي والقطاع الخاص، بالعمل على مراجعة المواصفة السعودية رقم 2663، وتم اقتراح تعديل الحدود الدنيا لكفاءة الطاقة، ثم عُقدت في مطلع حزيران (يونيو) 2012 "ورشة عمل مع مصنعي ومستوردي التكييف" بهدف تحديث مواصفات التكييف، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2012 اعتمد مجلس إدارة الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة تحديث المواصفة القياسية السعودية رقم 2663، وجرى تعديلها حسب مقترح البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، وأُعلن عن هذا التعديل في تاريخه، وفي منتصف أيار (مايو) 2013 عُقدتْ ورشة عمل مع مصنعي وموزعي التكييف للإعلان عن تطبيق المواصفة الجديدة 2663. بناءً على كل ما تقدّم تفصيله، يصبح عنصر المفاجأة هنا منتفياً على الإطلاق.
وحتى نتأكّد جميعاً قبل أن نُطلق الحكم على تلك المنشآت، باحتمال تورّطها في "الاستهتار" بالقرارات والإجراءات التي فرضتها الأجهزة المعنيّة في الجهاز الحكومي، خاصةً تلك المنشآت العاملة في مجال استيراد المكيفات، فلا بدّ من العودة إلى أرقام الكميات المستوردة من المكيّفات، وبناءً عليها ستتضح لدينا جميعاً الصورة كاملة.
توضّح الأرقام الرسميّة الصادرة عن مصلحة الجمارك السعودية أنّ فترة الأشهر الأربعة "آذار (مارس) - حزيران (يونيو)" التي عُقدت خلالها آخر ورشة عمل، وأُعلن خلالها عن تطبيق المواصفة الجديدة 2663، تؤكّد الإحصاءات ارتفاع واردات المكيّفات خلال تلك الفترة من عام 2013 بنحو 18 في المائة مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2012، حيث وصلتْ إلى أكثر من 1.5 مليون مكيّف، شكّلتْ نحو 62 في المائة من إجمالي واردات المكيّفات طوال عام 2013. ماذا يعني ذلك؟
هل وقع في ظنِّ تلك المنشآت المستوردة أنّ بالإمكان استغلال فترة تطبيق المواصفة الجديدة، لإغراق السوق المحلية بالمكيفات المخالفة لبطاقة كفاءة الطاقة، وتحقيق هوامش أرباح أعلى لقاء انخفاض أسعارها، بغض النظر عن الأضرار الفادحة التي ستلحق بالمشترين؟ هل وقع في ظنّها أنّ الجهات الحكومية المعنيّة لم ولن تكون جادة في تطبيق المواصفة الجديدة للمكيفات؟ هل وقع في ظنّها أنّه بالإمكان تجاوز جهود تطبيق المواصفة، والالتفاف على أجهزة الرقابة وعلى السوق المحلية؟ وهل هذه التجاوزات التي ارتكبت من قِبل المنشآت المخالفة تعبّر في حقيقتها عن ثقافةٍ سائدة لدى أغلب منشآت القطاع الخاص؟ ألم تُدرك تلك المنشآت المخالفة عواقب عدم الالتزام بالمواصفة الجديدة؟ أمْ أنّها اعتمدتْ في حال فشلها بتمرير تجاوزاتها تلك على اللجوء إلى خطابات التظلّم وطلب الاستثناءات؟ أترك الحكم للقارئ الكريم، حول ما ارتكبته تلك المنشآت المخالفة وفق الإيضاح الرقمي الدقيق أعلاه، هل كان حقاً مفاجئاً أم أنّه كان استهتاراً صريحاً منها، وتحديداً حكْم المجتمع "مواطنين، مقيمين" الذي اُستهدف من تلك المنشآت المخالفة، لتوريطه في أكثر من 850 ألف مكيّف غير مطابق للمواصفة الجديدة.
أصبح واجباً وإلزاماً على منشآت القطاع الخاص دون استثناء، أنْ تدرك جيداً أهمية الالتزام التام بأية قوانين وإجراءات يتم اتخاذها لأجل تحقيق المصلحة العامّة، وأنّ أية مخالفة لها سينتج عنها تحمّل الكثير من الخسائر والعقوبات الصارمة.إنّه أمرٌ محيرٌ جداً؛ أنّ يُقابل المعروف والدعم الذي أسدته البلاد لتلك المنشآت طوال أكثر من أربعة عقودٍ مضتْ، بمثل هذا الإمعان في تجاوز الأنظمة والتلاعب عليها، وبمثل هذه التصرفات التي يُدرك مُلاكها تمام الإدراك حجم الأضرار الفادحة المحتمل وقوعها على المجتمع.
"السعيد من أتعظ بغيره"، على كل تاجرٍ في بلادنا أن يُعلّق هذه العبارة أمام عينيه بدءاً من اليوم! فما ملف "أجهزة التكييف" إلا بداية لطريقِ طويل وشاق، إذْ سيأتي قريباً دور الثلاجات والمجمدات والغسالات وبقية الأجهزة الكهربائية، إضافةً إلى السيارات بمختلف أصنافها، والعزل الحراري في المباني، وكل ما هو مرتبط بترشيد استهلاك الطاقة الناضبة، التي ستُجمع أعناقها بقوة القانون الصارم تحت المظلة المعيارية لكفاءة الطاقة! فكن أيها التاجر على أهبة الاستعداد والتأهب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي