Author

الإفصاح والشفافية.. نحتاج إلى أدلة إرشادية

|
لم تزل قضية الإفصاح والشفافية في الشركات السعودية محل جدل، ذلك أن هناك الكثير من الأنظمة واللوائح التي تفرض الشفافية وتتحدث عن الإفصاح، لكن يُوجد القليل جداً من الإجراءات التي توضح ما تلك الشفافية أو ذلك الإفصاح الذي كانت تقصده كل هذه القوانين. محاسبياً، هناك إفصاح في القوائم المالية عن مختلف الحسابات وهناك معايير محاسبية، لكن هذا الإفصاح يظهر على شكل أرقام فقط. وعلى الرغم من أن القول الشائع إن الأرقام هي لغة الأعمال، لكن ليس بالضرورة أن كل مَن يتعامل مع الشركات يُحسن فهم هذه اللغة ومعانيها. أضف إلى هذا أن الأرقام التي تظهر في القوائم المالية تعبّر عن أحداث فترة مضت وانتهت، كما أن هناك الكثير من التقديرات والإفصاح مرتبط بشكل جوهري بمفهوم الأهمية النسبية، أي أنه لا يتم الإفصاح إلا عن تلك المبالغ التي تمثل أهمية بالنسبة لمتخذ القرار. وهنا تبدأ الأمور تتعقد، فالذي يضع الأهمية النسبية هي الإدارة دائماً وليس متخذ القرار. هذه هي الحال إذاً، فمع أن الإفصاح مفهوم رائع إلا أن تطبيقه معقد جداً، وتبقى الأمور معلقةً بيد الإدارة فما شاءت الإفصاح عنه سيتم، وما أرادت ألا تفصح عنه فسوف تخفيه في زحمة أرقام القوائم المالية، ولن يجده إلا متفرغ خبير. لقد بذلت الكثير من الجهات واللجان العالمية جهوداً كبيرة في تطوير الإفصاح، وأن تتضمن القوائم المالية كل ما يجب قراءته، وأن يقوم مراجع الحسابات بدوره للفت الانتباه إلى الأرقام التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، لكن هذه كلها تعتبر قضايا ذات علاقة بالثقافة الاستثمارية في أي بلد، كما أن لها ارتباطاً مباشراً بالأخلاق. في البلاد التي يرتفع فيها مستوى الشفافية ترتفع معه مستويات الإفصاح في القوائم المالية، ويقوم المراجع بدوره الكبير في لفت انتباه السوق نحو تلك القضايا التي تستحق العناية والاهتمام، وكلما انخفضت مستويات الشفافية تأثر الإفصاح المحاسبي بشكل مباشر بذلك مهما كانت إلزامية المعايير المحاسبية ومهما كانت دقتها. فالشفافية بدورها قضية ترتبط بثقافة الشعوب، فتتأثر الإدارة بشكل مباشر بهذه الثقافات، فالشعب الذي تقل فيها الشفافية فإن الإدارة تعتبر أن المزيد منها (وفقاً لما ألفه الشعب) يحد من قدرتها على المناورة، ومن هامش المنافسة، فتعمل على إيجاد الكثير من الضبابية حول الشركة وأحوالها، وهذه النغمة الإدارية تسري في جميع أرجاء المنظمة حتى تصبح بدورها ثقافة تنظيمية تصل بهدوء إلى أقسام المحاسبة فتعيش المحاسبة تحت ضغط كبير من أجل إخفاء الكثير من المعلومات التي يتعين إظهارها وفقاً للمعايير المحاسبية، مستخدماً في ذلك نماذج المحاسبة الإبعادية فيسمّى الحساب بغير اسمه أو يدمج حسابات مختلفة في حساب واحد، أو يبالغ في التقديرات أو يخفض منها، كل ذلك بعيداً عن متخذي القرارات، على الرغم من أن الإفصاح والشفافية مرهونان بقرارهم. وهكذا فلا يمكن للشفافية والإفصاح أن يتطورا في المملكة ما لم تطور هذه الثقافة في المملكة ويزيد التركيز عليها في كل مجال، خاصة الإعلام، كما يجب أن تطور إجراءات واضحة فيما يتعلق بالشفافية وليس مجرد مطالبات بها بغير أدلة عمل أو أدلة إرشادية واضحة.
إنشرها