Author

ظواهر اجتماعية تستحق الدراسة

|
تمر المجتمعات البشرية بتغيرات وتحولات في حياتها العامة حتى تظهر هذه التحولات على سلوك الناس اليومي في ملابسهم، أو في مآكلهم، ومشاربهم، أو في نمط الحياة العامة، وفي العلاقات بين أفراد المجتمع. مجتمعنا ليس استثناء، وينطبق عليه ما ينطبق على غيره، ولو راجعنا مسيرة المجتمع خلال العقود الماضية لهالنا حجم التغيرات التي مر بها المجتمع، بل ولصعب علينا حصر هذه التغيرات، التي تخطت مرحلة الظاهرة إلى مرحلة السلوك الاجتماعي العام، وما من شك أن من تبلغ أعمارهم العشرينات، الذين لم يعيشوا فترة ما قبل الطفرة سيكون من الصعب عليهم تصور واستيعاب كيف كان المجتمع في ذلك الحين. ما ينطبق على العمالة ينطبق على أشياء أخرى كالمنازل في مساحاتها، وفرشها، وعلى السيارات، والمطاعم، وظاهرة الاستراحات، فالناس إلى وقت قريب كانوا يعيشون في بيوت ذات مساحات صغيرة رغم كبر العائلة، لكن في سنوات الطفرة خلال التسعينيات من القرن الهجري الماضي تغيرت الحالة ليكون البديل الفلل، وذلك بدعم صندوق التنمية العقارية، حيث السيولة المالية شجعت الناس على هذا التوجه إلا أنه مع ارتفاع أسعار العقار، وانخفاض السيولة المالية عند الناس خلال هذه السنوات بدأ توجه جديد في المساكن أكثر ميلاً إلى الاقتصاد في المساحات، وهذا ما يظهر في الدبلكسات والفلل الصغيرة، والشقق. أما السيارات التي في الأساس مهمتها وسيلة نقل لصاحبها، أو مستلزماته تحولت في بعض الحالات إلى صورة من صور المباهاة الاجتماعية أمام الزملاء، والجيران، والأقارب حتى أنه أصبح امتلاك عدد كبير من السيارات، وبأنواع، وأشكال، وموديلات معينة صورة أخرى من صور التحولات الاجتماعية التي مر بها المجتمع السعودي، حتى أن البعض يذهب للعزاء بأفضل، وأغلى سيارة يمتلكها. من أبرز الظواهر الاجتماعية الاستراحات، وقد بدأت على شكل استراحات للاستخدام العائلي، حيث تجتمع فيها العائلات في المناسبات كالأعياد، وفي نهاية الأسبوع إلا أنها مع الوقت تحولت إلى مكان للعزائم، ومناسبات الزواج، وذلك لقلة تكاليفها مقارنة بقصور الأفراح، وتخلصاً من مترتبات عقد المناسبة في المنزل، لكن التحول الأكبر في وظيفة الاستراحات تمثل لاحقاً في تحولها لمكان لقاء يومي خاصة للشباب الذين يلتقون على شكل مجموعة أصدقاء، وكما يذكر من سبق لهم دخول هذه الاستراحات، أو ما يمكن تسميته مجازاً استراحة أنها وبسبب النزعة الاستثمارية المفرطة أصبحت كجحر الضب في مساحتها إذ لا مساحات خضراء، وإنما مجرد غرفة، ودورة مياه، ومطبخ صغير. السؤال المهم: ما الذي يدعو الشباب إلى الخروج من بيوتهم، وأهلهم ليذهبوا إلى مكان ضيق لا تتوافر فيه المقومات المادية للمتعة؟! وهل البداية كانت على شكل منتجات عقارية فكر فيها تجار العقار فتلقفها المجتمع، أم أنها حاجة اجتماعية اقتنصها المستثمرون ووفروا هذه الحاجة؟! حاولت أن أفسر هذه الظاهرة تفسيراً نفسياً واجتماعياً فاحترت هل الهروب من المنزل، والجلوس مع الأصدقاء تسامراً، ومشاهدة للتلفزيون، وتناول الطعام أفضل، وأكثر جاذبية من الجلوس في البيت مع الأهل، والإخوان، والأخوات؟ وهل يجد الفرد مع الأصدقاء ما لا يجده في المنزل ومن الأهل؟! لا أعتقد أن الأصدقاء أكثر حنية، ومحبة، وحرصاً من العائل، ولذا لا بد أن نفتش عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة لنكون على وعي بما يحدث داخل هذه الاستراحات ولنحول المنزل إلى مكان أكثر جذباً لأبنائه.
إنشرها