تقليص مصادر التهديد الصحية والاقتصادية

المعلومات أصبحت مصدر رعب ومصدر راحة وسعادة في الوقت نفسه. ولكن عندما يكون هذا المصدر مشاعا بأسلوب عشوائي فيستفيد منه الإعلام غير المتزن أو المنحاز أو غير المحترف فالخطر هنا أكبر. على العكس تماما يظل النشر العلمي المحكم مسجلا وموثقا وما تضمن من معلومات يكون موثوقا به وذا مصداقية عالية جدا، إلا أنه لا يطلع عليه إلا المهتم أو الباحث والدارس. هذا الموضوع أصبح مقلقا مع كل الكتابات والتنويه وجلب الموضوع في كل المحافل رغبة في تبني المسؤولين للرأي الصحيح والفكر المبني على التجربة والدراسة الرصينة. والأمل في الجيل الحالي والقادم أن يبدؤوا التصحيح والتغيير.
في موضوع مثل الوبائيات والأمراض المعدية أصبح شائعا، بل متعارف عليه أن المشكلة لبعض الأمراض الطفيلية مثل الملاريا والليشمانيات والشيستوسوما والفيروسية مثل حمى الوادي المتصدع وغيرها من الأمراض المعدية الفيروسية وحتى البكتيرية، التي استوطنت مملكتنا الحبيبة أنها مشكلة دائمة ومستعصية وإعلان التخلص منها مسألة قد تماثل ما هو متأصل في إفريقيا وغيرها من القارات. وبالتالي فالأمل ضعيف في إعلان خلو المملكة منها لشبه الاستحالة. المشكلة أن النشر العلمي يقول عكس ذلك إذا ما اتخذت جميع الإجراءات الصحيحة وتم تبني الموضوع بمصداقية عالية وتكاتف الجهود. أستطيع القول إنه بالرغبة وبذل الجهود المتكاملة وتوجيه الموارد التوجيه الصحيح سيجعلنا مجتمعا صحيحا نعيش في بيئة صحية وننعم بنعم الله بإذنه تعالى حتى أن نلقى وجهه الكريم. هي فقط علينا أن نعرف جميعنا ما هي مصادر الخوف المهددة للصحة؟ وما هي إجراءات العلاج التي تتطلب من المجتمع التنبه لها ومن ثم اتباعها ليعيش صحيحا؟، وكيف يمكن أن نحد من تحمل تكاليف قد تظهر بأنها اقتصاديا مرهقة؟. إذا ما أردنا الغوص في ذلك، فالموضوع يحتاج إلى استعراض بعض الأسس للوصول لحل تم تبسيطه لمشكلة جعلناها اجتهاداً مستعصيا.
لقد جمع العلماء في أوروبا وغرب أمريكا منذ قرابة القرن معلومات خاصة بالسكان وحركتهم، والبيئات المختلفة التي يعيشونها قبل وخلال وبعد الانتقال والسفر، وطبيعة الحياة ومعيشتها بأنماط مختلفة حسب المستوى المعيشي لجميع مستويات وفئات المجتمع من مدنيين وعسكريين أيضا. ولقد تم نشر النظريات العلمية، كما تم نشر الدراسات والأبحاث العلمية الميدانية للإجابة على أسئلة تتعلق بالوضع الصحي العام للمجتمعات وكيف يمكن تحسين ذلك؛ لإطالة العمر المتوقع للإنسان، ومن ثم عيشه سنينا طويلةً سليمًا معافى أو في أفضل حال صحي. لقد وُجد بعد تكريس العلماء جهودهم في حقول العلوم السكانية وعلم الوبائيات أن خلال 400 عام مضت "بالطبع مسببات الأمراض المعدية ظهرت منذ بداية الخليقة" كثير من البيانات التي حولت لمعلومات يمكن أن نستفيد منها كدول وكمجتمع دولي على نحو إيجابي ويعود بالأثر الفعال في مستقبل الأجيال الصحي. هذه المعلومات كانت بدايةً لتفسير ظواهر عدة في مجال العلوم الإنسانية والسكانية والصحة العامة. ثم من بعد ذلك بدأت الاستفادة العملية المتخصصة، ما توفر في التعرف أكثر على مسببات الأمراض المعدية وطبيعة انتشارها وإصاباتها متعددة الأنماط لتبدأ منظمة الصحة العالمية ومنظمات وهيئات أخرى كالبنك الدولي في إعداد التقارير الدولية ودعم بعض البرامج لتحقيق تنمية تعود على المجتمع الدولي بتحسين حياة السكان والظروف المعيشية. طبعا يمكن القول إن النصف الثاني من القرن الماضي شهد ثورة في العلوم المختلفة فانصب معظمها يغذي علم الوبائيات الذي يظلل علوما منها الأمراض المعدية، فازدهرت صناعة الأدوية واللقاحات والأجهزة والأدوات الصحية والطبية. وكان بهذا التطور الكبير والقفزة الهائلة بكل المقاييس بزوغ أمل بإمكانية السيطرة على هذه الأمراض بالتركيز على العوامل التي تتسبب في انتشارها وتفاقم وضعها وتأثيرها ومن ثم إيجاد حلول ناجعة يتم تبنيها من قبل المجتمع الدولي فتكون حربًا ضد ما يعكر صفو الإنسان ويطيل عمره بدلا من التسبب في تعكير حياته وإنهائها قسراً "طبعا بالحروب والمكائد".
إن ما جعل الموضوع مستنزفا للجهود والأموال حتى وصل لمستوى بدأت تقتنع فيه بعض المجتمعات بديمومة المشكلة وبالتالي الإصابة بخيبة الأمل التي قد تعني إجهاض ما تبقى من خطط مستقبلية، هو أن الأضواء سلطت على العلاج ولم يكن للصوت الآخر مساحة ليثبت أن الحل أبسط وأقل تكلفة. كان من نتائج ذلك أن ذهبت بعض الدول للاهتمام بمواضيع أخرى تقل أهمية وأولوية، لأن اقتصاداتها لا تحتمل الإنفاق دون أن تكون هناك نتيجة ملموسة، وبالتالي تم تجاهل ما إذا كان في الحلول الأخرى علاج أفضل وأكثر استدامة. هنا ظهرت المنفعة الشخصية أو المؤسساتية "إن أردنا توسيع دائرة المنفعة" فتغلغلت النظرة التعميمية على العلمية في تقدير الأمور، وكان التناول مبنيًّا على الفوائد والمصالح الشخصية، ما جعل بعض الحكومات تتقبل الموضوع بأنه واقع لا مفر منه، وبالتالي بدأ الاستسلام.
ما يمكن قوله إنه لم يكن هناك بحث عن رأي آخر. فظهر نوع جديد من أصحاب الرأي الذين شيدوا جداراً عاليا "بإرادة سياسية" بين العلماء والمجتمع فجعلونا نعيش في عالم استسلم لمفهوم انتشار الأمراض المعدية بأسلوب عامي غير علمي وأصبحنا بذلك متشائمين. فهل يمكن أن نجد الوصفة العلاجية للخروج من المأزق. للحديث تتمة...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي