الإجراءات الحكومية.. «المالية» كمثل

كبر مساحة المملكة ـــ حفظها الله ـــ وما تعيشه اليوم من طفرة اقتصادية كبيرة وتطور هائل في جميع المجالات، يتطلبان منا الاهتمام بشكل جدي وواقعي بمواكبة هذا التطور واستغلال هذه الطفرة من خلال تحديث أنظمتنا وقوانيننا في جميع الوزارات والجهات الحكومية وشبه الحكومية، حتى القطاع الخاص.
المملكة تعتبر من حيث المساحة أكبر من أوروبا الغربية كاملة، ما حدا بالإجراءات الصادرة من القرى أو المحافظات إلى التأخر، نظرا للتسلسل الإجرائي الطويل الذي تقوم به الدوائر الحكومية في تلك القرى أو المحافظات إلى أن تصل إلى مقر القرار النهائي في الوزارات.. هذا الأمر يتطلب منا إيجاد آليات معينة تختصر هذه الإجراءات والوقت الذي تأخذه في إنجازها، فالمملكة اختلفت كثيرا في وقتنا الراهن، أو بمعنى أصح تغيرت بشكل كبير عما كانت عليه قبل 30 عاما، ولكن – مع الأسف – ما زالت هناك بعض الأنظمة التي تعيش معنا منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا دون أن تتطور أو تتحدث.. حتى الأدلة الإجرائية لهذه الأنظمة ما زالت هي الأخرى في بعض الجهات كما هي، ولم تتحرك خطوة واحدة نحو التطوير، مع أننا نعيش في عصر السرعة والتقنية والمعلومات، في ظل مجتمع أصبح نوعا ما مجتمعا معرفيا مواكبا للتطور الذي نعيشه اليوم، لذا فإن تقليص الإجراءات واختصار أو إلغاء غير المهم منها لن يؤثر بطبيعة الحال في آلية الإجراءات ذاتها، إنما سيؤثر في سرعة إنهائها، وبالتالي الوصول إلى رضا المستفيد من خدمات الجهة التي قدمت له الخدمة.. وهنا تكمن أهمية الحوكمة ووجود الدليل الإجرائي في الأجهزة والمؤسسات، حيث إن وجودهما سيفتح المجال أمام معرفة الصورة الحقيقية لكيفية قيام الجهاز بتأدية نشاط ما، وعن طريق هذه الصورة يمكن تطوير هذه الكيفية، حيث يستطيع المراجع معرفة الخطوات التي تمر بها عملية إنهاء معاملته عن طريق وجود الإجراءات المكتوبة.. كذلك تزامن وجود الأدلة الإجرائية للأجهزة والمؤسسات وتفعيل الحكومة الإلكترونية، سيعمل بشكل كبير جدا على إنهاء المعاملات بسرعة متناهية مختصرا هذا التزامن الجهد والوقت، حيث سيؤدي إلى قدرة القطاعات الحكومية المختلفة على توفير الخدمات الحكومية التقليدية للمواطنين أو غيرهم من المستفيدين، وإنجاز المعاملات عبر شبكة الإنترنت أو غيرها بسرعة ودقة متناهيتين، وبتكاليف ومجهود أقل، من خلال موقع واحد على شبكة الإنترنت أو إجراء مختصر، وبالتالي مساندة برامج التطوير الاقتصادي، وزيادة العائد الربحي للحكومة الإلكترونية، ومن ثم إيجاد فرص وظيفية جديدة في مجالات جديدة، إضافة إلى فتح قنوات استثمارية جديدة من خلال التكامل بين الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، واختصار الهرم الإداري التسلسلي الطويل، الذي عادة ما يُتَّبع في الحكومة التقليدية والإسراع في تنفيذ الإجراءات الإدارية واختصارها، وفي نهاية المطاف الحصول على رضا المستفيدين، وتحقيق تطلعات ولاة الأمر ـــ حفظهم الله ـــ في توفير جميع سبل الراحة للمواطنين.
وسآخذ هنا على سبيل المثال وزارة المالية، فالأدوار التي تقوم بها وأجهزتها المتفرعة، ربما لم تعطها الفرصة للتركيز على موضوع في غاية الأهمية وله فائدتان رئيستان، ألا وهو إنهاء دفع المستحقات للمقاولين أو الموردين أو غيرهم بالسرعة المطلوبة نظرا لمساحة المملكة الشاسعة وكثرة فروعها التي تصب جميع معاملاتها في ديوان الوزارة في الرياض، حيث يتقدم المستخلص لفرع الجهة المعنية في الوزارة صاحبة المشروع، التي ربما تكون قرية في أقصى الشرق أو الغرب، ومن ثم تحول للمنطقة التابعة لها، ثم للمركز الرئيس في الرياض مقر الوزارة المعنية، ومن ثم وزارة المالية، ما يؤدي بدوره إلى طول المدة الزمنية، حيث يمر على بعض المستحقات أكثر من ستة أشهر، هنا المورد أو المقاول من قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كيف سيمول مشاريعه عند تأخر دفع المستحقات؟
أملي في وزير المالية، وهو الخبير البارع، أن يبادر بتبني آلية تلزم بالدفع خلال 45 يوما من تقديم المستخلص، ولتحقيق ذلك يجب أن يرتبط بمنظومة حاسب آلي تكون جميع الإجراءات عن طريقها، وعندها بكل تأكيد سنحقق الهدفين، الأول سيكون هناك تخفيض كبير لتكلفة المقاولين أو الموردين، والآخر أنه سيعطي فرصة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمنافسة بما يضمن زيادة دورها في الاقتصاد الوطني، والانخفاض الكبير في التكلفة سيعطي وفرا ماليا يمكن استغلاله في مشاريع أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي