Author

كيفية الارتقاء بمعيشة المواطن

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أُكمل من حيث انتهيت في المقال الأخير ''لماذا الموطن.. الغائب الأكبر اقتصادياً؟''، استمراراً في البحث عن الأسباب التي أدّتْ إلى تراجع أنصبة المواطن من طفرة الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي الكبيرين خلال الأعوام الأخيرة، مذكّراً أنَّ اكتشاف تلك الأسباب وتحديدها يزنُ 50 في المائة من حزمة الحلول! فيما يُعد اتخاذ القرارات بالمعالجة، والعمل الجاد والمستمر على تنفيذها دون تأخير أو تمييز، النسبة المكمّلة لبلوغ تلك الحلول سقف الـ 100 في المائة. لا يقف مقياس الوضع المعيشي للفرد ''المواطن'' عند مجرّد تحديد دخله الشهري، واستنتاج أنّه مرتفع أو منخفض بمقارنته تاريخياً أو ببقية الأفراد في اقتصاداتٍ أخرى! إنّه يشمل وفقاً للمعايير الدولية المعترف بها الآن؛ نصيبه من كافّة خيارات الحياة الكريمة والمناسبة! فكلّما زادتْ حصته من تلك الخيارات، أمكن التعبير عن مستوى حياته المعيشية بدرجاتٍ أعلى وأفضل، والعكس صحيح. من أهم تلك الخيارات؛ حصول الفرد وأسرته على الرعاية الصحيّة الشاملة والمرتفعة بأقل تكلفة، والتعليم العام الجيد المعفى من أية رسوم، وحصوله على العمل الكريم الملائم لمهاراته وتأهيله التعليمي، والقدرة على تملّكه لمسكنه الملائم، وتوافر الخدمات البلدية في محيطه من كهرباء ومياه صالحة وقنوات الصرف الصحي والطرق ووسائل كل من النقل والاتصالات الحديثة بأقل التكاليف الممكنة. وتمتد تلك الخيارات إلى أبعد من ذلك؛ وصولاً إلى قياس معدل مشاركة هذا الفرد وتأثيره فيما حوله، عبر قنوات ووسائل التعبير عن رأيه أو صوته في مختلف شؤون الحياة ذات التأثير المباشر في مصالحه. كل هذه الخيارات تُضاف إلى مستوى الدخل الحقيقي للفرد، ومن ثم يمكن تقييم الحياة العيشية للفرد في أي مجتمع. يُلاحظ مما تقدّم أعلاه، أن من تلك الخيارات ما يُقاس رقمياً وهي الحصّة الأكبر، والبعض منها ما يقاس بمعرفة وجوده من عدمه. كما تجدر الإشارة إلى أن المفهوم الحديث لتعريف وقياس ''الفقر'' وفقاً للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أصبح يركّز في هذا الاتجاه على تحديد معدل الفقر في المجتمعات وربطه بدرجة حرمان الأفراد من تلك الخيارات ''الفقر المتعدد''! يتبيّن لنا بجلاء في ضوء ما تقدّم الآثار الخطيرة لكل من: (1) تأخّر أو تعطّل تنفيذ المشروعات الحكومية. (2) انخفاض كفاءة وجودة الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية. (3) تفشي مظاهر الفساد والمبالغة في قيم العقود والمناقصات. (4) تفشي مظاهر الاحتكار والتلاعب بالأسعار ''احتكار الأراضي والعقارات والعديد من السلع''. (5) ضعف الرقابة والمتابعة والمحاسبة والمساءلة على مختلف الأجهزة التنفيذية. (6) غياب الشفافية والمعلوماتية، وتأخّر مؤسسات ووسائل الإعلام عن ممارسة دورها اللازم لأي سببٍ كان. كشاهدٍ على مخاطر تأخّر أو تعطّل تنفيذ المشروعات الحكومية، بيّنت مقارنة قيم المشاريع الموقّع لتنفيذها بقيم المشاريع الجديدة المعتمدة خلال الفترة 2008 - 2012م، تراجعاً لافتاً فيما أُنجز مقارنةً بما اُعتمد إنجازه، حيث انخفضتْ النسبة من 72.7 في المائة بنهاية 2008م إلى نحو 51.7 في المائة بنهاية 2012م! والحديث هنا عن نحو 11910 مشاريع تنموية في مختلف القطاعات! ويزداد القلق وضرورة الحذر حول تلك المشاريع التنموية، إذا ما علمنا أن المخصصات المالية لأجل تنفيذها آخذةٌ في الزيادة مقابل زيادة نسب عدم الإنجاز، حيث بلغ متوسط النمو السنوي لتلك المخصصات لأجل المشاريع الجديدة المعتمدة 18 في المائة سنوياً. هذا بدوره يُفضي إلى انخفاض كفاءة وجودة الخدمات الحكومية، وهذه نتيجة حتمية وتقليدية بطبيعة الحال! فعلى سبيل المثال؛ كيف لوزارة الصحة أن تؤدّي دورها اللازم ولديها تأخّر مقلقٌ جدّاً في تنفيذ مشروعاتها؟! حسبما بيّنتْ وزارة الصحة في بيانات الميزانية الحكومية السنوية، أنّ مشروعاتها القائمة خلال الفترة 2007-2011م، بلغت كعدد مستشفيات 137 مستشفى، وعدد أسرّة 28470 سريرا. فماذا تحقق من تلك الخطط؟! لقد زادتْ المستشفيات بـ 33 مستشفى فقط (نسبة إنجاز 24.1 في المائة). أمّا زيادة الأسرّة فبلغت خلال الفترة 3833 سريرا (نسبة إنجاز 13.5 في المائة)، وبإضافة ما استجد من الأجهزة الحكومية الأخرى والقطاع الخاص، تصبح الزيادة في عدد المستشفيات 36 مستشفى فقط، والزيادة في عدد الأسرّة 5232 سريرا فقط لنفس الفترة، وكلتا الزيادتين تبقيان حتى ما تحقق بعيداً عمّا كان مستهدفاً. وكذا الحال بالنسبة لوزارة التربية والتعليم، التي بيّنتْ إحصاءاتها أنَّ الزيادة الفعلية في عدد المدارس لديها (الابتدائية، المتوسطة، الثانوية) بلغتْ 2747 مدرسة خلال الفترة 2007-2011م، مقابل ما أعلنتْه عن مشاريع لمدارس جديدة للفترة نفسها في بيانات الميزانية الحكومية المُعلنة نهاية كل عام مالي، التي بلغ مجموعها التراكمي 18704 مدارس جديدة! وإن أخذتْ الفترة 2006-2010م على اعتبار منح الوزارة فترة عام للتنفيذ، فإن العدد المخطط لإنجازه يصل إلى 18804 مدارس جديدة! ما يعني أننا أمام نسبة إنجاز لا تتجاوز 14.7 في المائة. وهكذا الحال بالنسبة لتفاصيل بقية المخاطر، التي سبق الكتابة عنها من قبل الكثير، حتى أصبحتْ من أكثر المواضيع تناولاً لدى عموم أفراد المجتمع، لكن دون استجابة من لدن مختلف الأجهزة الحكومية المعنيّة! يبدأ الحل وينتهي من وإلى القضاء على الأسباب التي أدّت لنشوئها! وداوها بالتي هي الداء، ومن غير تلك الأجهزة المعنية أهلٌ للقيام بتلك الخطوات والإجراءات؟! إلى هنا يقفُ دور الكاتب، بدءاً من طرح الأسئلة الثلاثة المبيّنة في المقالات الأخيرة التي سبقت هذا المقال، مروراً بالإجابات عنها ومحاولة إيضاح الأسباب التي أدّتْ إليها، وصولاً إلى طرح الحلول المقترحة، والقابلة للتنفيذ من قبل الأجهزة المعنية بها، مشيراً إلى أن الحلول التي تم طرحها كمقترحات كتابةً أو حديثاً، حُرص على تكرارها وتأكيدها في أكثر من مقام ومقال، وسيستمر ذلك المجهود ما شاء الله له أن يستمر.
إنشرها