رتّب أمورك.. ولكن بعشوائية

مَن يرى الشوارع وزحمتها وتصم آذانه أبواق السيارات، والأسواق التي تعج بالمتسوّقين وكأنهم في سباق مع الزمن في هذيْن اليوميْن الأخيريْن من الشهر الفضيل يعتقد أن العيد باغتنا وأنه أتى فجأة. وينهمر سيل الأمنيات بأن يطول الوقت وأن يتم الشهر أو يتوقف الزمن لأننا لم ننه متطلبات العيد ولوازمه. فعدم ترتيب الأوليات لا يقتصر على العيد فقط، بل يتعداه إلى شتى أمورنا مما يربك حياتنا وتسوء نفسياتنا ولا نحصل على السعادة المرجوة في مثل هذه المواسم.
لماذا لا نعوّد أنفسنا على وضع جداول لأعمالنا أو قوائم لما يجب علينا فعله أو إنجازه؟
لنجرب تدوين ما علينا إنجازه بطريقة تعصف أذهاننا وتُخرج ما بها ومن ثم نرتب أولوياتنا. وأشهر طرق التفكير وترتيب الأولويات لإنجازها "الخرائط الذهنية" الطريقة التي ابتكرها المؤلف توني بوزون في أواخر الستينيات، ووجد أن هذه الطريقة رتبت أفكاره وزادت إنتاجه ففيها تستجمع قوى عقلك وتستخدم ميزاته بفصيه "الأيمن" المختص بالعمليات التطبيقية والرياضيات والاستنتاج و"الأيسر" المختص بالألوان والصور والأشكال.
نستطيع أن نطلق عليها طريقة التفكير العشوائي المرتب! التي تتناسب مع عقل الإنسان الذي يميل بطبيعته إلى التفكير بالطريقة العشوائية بدل المنتظمة خصوصا عند البحث عن حلول!
ألم يصدف أن حاولت تذكر معلومة ما أو شخص أو إيجاد إجابة عن سؤال ولم تستطع، وعندما جربت أن تربط الإجابة أو الشخص بزمان معين أو صورة في خيالك أو صوت ما؛ استطعت أن تتذكّر بسهولة! هذا ما تقدمه لك "الخرائط الذهنية" أو "التفكير الشجري" الذي يبدأ بفكرة أساسية ترسمها كشكل على ورقة وتتفرع منها فروع رئيسة تتشعب إلى أفكار ثانوية في رسم يشبه شكل الخلية العصبية باستخدام ألوان ورموز وأشكال مختلفة تربط الفكرة بذهنك.
يقول الطالب إدوارد هيو في رسالة لبوزون عن تجربته: كنت أريد الالتحاق بجامعة كامبردج بعد تخرجي في الثانوية وعندما أخبرت أساتذتي سخروا مني، فكيف لي أن التحق بهذه الجامعة العريقة والتي تختار النخبة ومعدلي ومستواي الدراسي لا يؤهلاني لذلك، وقال أحدهم: إنك تضيع وقتك وجهدك في دخولك الامتحان الذي تجريه هذه الجامعة سنوياً لمَن يريد الالتحاق بها!
ولكن إدوارد الذي دفع الـ 20 جنيهاً لدخول هذا الاختبار كان هدفه الحصول على (أ) في جميع المواد.
وحينما اقترب موعد الاختبار كوّن إدوارد مجموعة من الخرائط الذهنية لجميع المواد بصورة جيدة وراجعها جيداً، ودخل الامتحان بصورة تميز بها عن البقية، فالجميع معهم كتب وكراسات ومتوترون وقلقون بينما هو لم يكن معه مذكرات ولا كتب عدا وريقات رسم فيها خريطته الذهنية وجلس على كرسي الاختبار بهدوء وبكل ثقة.
وكانت نتيجته كالتالي: الأول في الجغرافيا والتاريخ والأول مع مرتبة الشرف في التجارة!
كما استخدم الكثيرون هذه الطريقة لحفظ وتفسير وفهم القرآن، وذلك بربط الموضوع الأساسي للسورة بالمواضيع الفرعية، وهناك كتب ومواقع لشرح الطريقة.
ولك أن تعلم أن بوزون لم يكن مبتكر الطريقة أو أول مَن استخدمها، بل سبقه إليها سيد البشر ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ كما جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"خَطَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ، وَقَالَ: هَذَا الْإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ، أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا".
لنجرب ونرى ما سيحدث معنا.. فقد تحل أزمة المرور والشوارع وزحمة الأسواق والحجز والسفر وإيجاد سكن!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي