Author

أثر العائدين من الخارج في المجتمع

|
يعبر بعض المغتربين الذين مروا بتجربة العيش في غير مواطنهم الأصلية لسنوات عدة للدراسة أو للعمل، عن المواقف التي مروا بها أو التباهي أحيانا بما عاصروه في تلك البلاد من تطور وحضارة وعادات. على الرغم من محاولة بعضهم التقليل من إعجابهم لتلك البلاد، إلا أنه يستطيع بعض المحيطين بهم ملاحظة شيء من الانتماء للبلدان التي عاشوا بها، وقد ينطبق على هؤلاء المثل الشعبي القديم بأنه ''من عاشر قوما أربعين يوما صار منهم أو صرّ منهم''. لعل الإعجاب المفرط في بعض المظاهر الشكلية لقلة من الناس العائدين من الغربة مثل تطويل الشعر والملابس غير المعتادة والتمايل على الموسيقى في سماعات الأذن التي يتباهى بها بعض الشباب في الأماكن العامة لغلاء سعرها وتصرفاتهم الخارجة عن المتعارف عليه، يلقي عبئا على المثقفين والإعلاميين والتربويين بالقيام بدورهم من خلال الإسهام في توضيح الدوافع النفسية والاجتماعية للمجتمع وللمتأثرين على حد سواء. تتغير عادات وممارسات المجتمعات عبر الأجيال وتتأثر ببعضها، ومجتمعنا ليس استثناء من ذلك. وفي المقابل، للمبتعثين تأثير لا يمكن تجاهله على المدى الطويل، ومن البديهي أن يكتسب المبتعثون والمغتربون الذين عادوا من الخارج الكثير من العادات الحسنة، ويعملون على نقلها وتوطينها لمجتمعنا، خاصة الممارسات التي يحث عليها ديننا الإسلامي مثل الصدق والأمانة والالتزام بالوقت والتفاني في العمل وحسن الاستماع وغيرها. وقد لوحظ خلال الخمس إلى العشر سنوات الأخيرة بعض التغيرات في العادات المكتسبة من شعوب أخرى مثل زيادة الالتزام بالطوابير في الأسواق والمؤسسات، وتطور كبير في خدمات العملاء في كثير من المؤسسات التي تتعامل مع الجماهير، كما أصبحنا نرى بشكل كبير خروج ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن من العاجزين عن الحركة مع أهاليهم في الأماكن العامة، وتقبل المجتمع لهم الذي كان ينظر إليهم بعين الشفقة. لكل مجتمع إيجابياته وسلبياته مثلما هو في مجتمعنا. لذا، على المبتعثين والمغتربين التركيز على الإيجابيات الحقيقية التي يكمن وراءها تحضر المجتمع وازدهاره وتنمية اقتصاده وإبداعه وتطور صناعته وإسهامه الفاعل في الحضارة الإنسانية. كما يتوقع أن نرى بعض الممارسات من العائدين التي يختلف الحكم عليها بالإيجابي أو السلبي حسب المجتمع والبيئة الحاضنة لهذه الممارسة، وبالتالي يجب على المعنيين من التربويين وعلماء الاجتماع معرفة ودراسة كل هذه الممارسات وبناء بيئة صالحة تتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا وتستوعب الممارسات المفيدة للمجتمع. على الرغم من ذلك، لا يمكن إنكار أن التجربة الجديدة والمعرفة التي يكتسبها الدارسون في الخارج والعمل في بيئات تختلف عما اعتادوه واتصالهم بالعديد من الثقافات أثر فيهم. تتجاوز آثار المبتعثين العائدين من المجتمعات الأجنبية البيئة الاجتماعية إلى آثار اقتصادية وتنموية وتعليمية جديرة بالمراجعة في مناسبات أخرى.
إنشرها