الأمر الملكي وأسعار الأراضي السكنية

صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الأسبوع الماضي باعتماد ما يلي:
1. أن تتوقف وزارة الشؤون البلدية والقروية فوراً عن توزيع المنح البلدية التي تتم من قبل الأمانات والبلديات بموجب ما لديها من تعليمات.
2. أن يتم تسليم جميع الأراضي الحكومية المُعدة للسكن بما في ذلك المخططات المعتمدة للمنح البلدية سالفة الذكر، التي لم يتم استكمال إيصال جميع الخدمات وباقي البنى التحتية إليها، إلى وزارة الإسكان، لتتولى تخطيطها وتنفيذ البنى التحتية لها، ومن ثم توزيعها على المواطنين حسب آلية الاستحقاق.
3. تقوم وزارة المالية باعتماد المبالغ اللازمة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية لأراضي الإسكان المشار إليها في الفقرة (2) أعلاه.
4. تقوم وزارة الإسكان بإعطاء المواطنين أراضٍ سكنية مطورة وقروضًا للبناء عليها بحسب آلية الاستحقاق.
5. إعطاء وزارة الإسكان الصلاحية الكاملة لاعتماد المخططات لمشاريعها الإسكانية، وفق الضوابط والاشتراطات العامة، وتقوم بإحاطة وزارة الشؤون البلدية والقروية بذلك.
المصدر جريدة "الاقتصادية"، عدد الثلاثاء الماضي 16 أبريل.
الناس في نقاش عن تأثير هذه الأوامر في أسعار الأراضي السكنية. وكثير من الاستنتاجات والتوقعات التي اطلعت عليها تخلط بين الأماني وقراءة الوضع.
سأعرض في هذا المقال عوامل متعلقة، وفهمها يساعد على فهم تأثير الأمر الملكي في أسعار الأراضي السكنية.
تأثير العرض: وفرة العرض في الأراضي السكنية مخفض لأسعارها. قد يكون هذا الوفر لذاته، أو بسبب انخفاض الطلب، أو لكليهما.
ثقة الناس: الناس ضعيفو الثقة في كفاءة وسرعة أجهزة الحكومات.
بناء مدن جديدة: الأراضي حول المدن الكبيرة ليست مملوكة للحكومة إلا قليلا. تنفيذ الأمر الملكي دون شراء هذه الأراضي (وغالبها أصلا أراض حكومية، ومن المستبعد أن تستعاد) يتطلب تطوير مدن جديدة.
زيادة أموال الصندوق بنحو 250 مليار ريال، لكن نسبة التحصيل متدنية: قرأت أن الأمر الملكي ألغى قرار بناء 500 ألف وحدة سكنية صدر بها قرار قبل نحو سنتين. وأتوقع أن يحال المال المخصص لبناء هذه الوحدات إلى صندوق التنمية العقارية. لكن الصندوق يعاني مشكلة تدني نسبة التحصيل. هذا التدني جعل الصندوق يفقد رأسماله مع مرور السنين.
الانتظار: قوائم الانتظار على قروض صندوق التنمية العقارية طويلة جدًّا. على المتقدمين الذين يملكون أراضي سكنية مناسبة انتظار سنوات للحصول على القرض، قبل أن يصلهم الدور. فكيف بالآخرين الذين لا يملكون أراضي.
أسعار العقارات ليست مستثناة من نظريات التضخم: التضخم يعني الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات. وقطعًا العقارات سلع، ومن ثم فنظريات وبحوث التضخم تطبق على أسعار العقارات.
الضريبة: الضريبة تخفض أسعار الأراضي.
ارتفاع أسعار الأراضي دون جهود الملاك: ارتفاع أسعار الأراضي (ليس المقصود طبعا الأراضي المهملة التي في أعماق البراري) يعود في غالبه لتغيرات وتطورات في الاقتصاد، ساهم فيها المجتمع (حكومة وأفرادًا) وليس ملاك تلك الأراضي. وهذا الارتفاع في العادة يتجاوز كثيرا التكلفة المتوقعة للفرصة الفائتة بسبب الحبس. وخلاف ذلك، لا يتطلب حبس الأرض عن العرض تحمل تكاليف فعلية.
تكاليف الإنتاج لا تحدد وحدها أسعار السلع غير المتجددة: لو صح هذا المنطق لما رأينا سلعا كالبترول والذهب بالأسعار التي نراها.
الرواتب مؤشر مضلل للدخل: حسب موقع مصلحة الإحصاءات العامة قبل فترة، ارتفع تعويض العاملين في جميع القطاعات من 299 مليار ريال عام 2005 إلى 418 مليار ريال عام 2010، أي بزيادة 40 في المائة.
في المقابل، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي الخاص من 313 مليار ريال عام 2005 إلى 591 مليار ريال عام 2010 (المصدر موقع مصلحة الإحصاءات)، أي بزيادة نسبتها 90 في المائة تقريبا. وطبعا وقعت هذه الزيادة مع وجود عشرات المليارات سنويا من تحويلات اليد العاملة غير السعودية، التي لا تنفق محليا.
أي أن الإنفاق الاستهلاكي الخاص وخلال الفترة نفسها قد زاد زيادة تتراوح بين مرتين ونصف إلى ثلاث مرات الزيادة في دخل العمل بعد استبعاد تحويلات غير السعوديين إلى الخارج.
الاقتصاد السعودي اقتصاد نفطي: وكونه اقتصادا نفطيا يعني بالضرورة أن المحرك الأكبر له هو الإنفاق الحكومي؛ لأن الدولة تملك مورد النفط. وحالة الإنفاق الحكومي والمالية العامة عموما يؤثر فيها سوق النفط العالمي. وتؤثر أوضاع المالية العامة بدورها في أسعار العقار.
خفض التطلعات: تطلب استراتيجية الإسكان من الناس خفض تطلعاتهم السكنية، في مساحة الأرض، وفي مسطحات البناء.
أخيرا، ودرءًا لسوء الفهم وسوء الظن، وما أكثرهما، فإن ذكر ما سبق ذكره، لا يعني أن الكاتب يؤيدها أو لا يؤيدها، ولكنه توضيح للوضع كما هو. وفهم هذا الوضع، وكيفية تطبيق الأمر الملكي تساعدان في التعرف على التأثير المتوقع.
وللحديث بقية، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي