Author

ما لا ترونه !!

|
استعرت عنوان مقالتي من عنوان رواية صديقي الشاعر الهمام سليم عبد القادر التي روى فيها تجربته الشخصية في المعتقلات السورية. وأسأل الله له الصحة والعافية فهو الآن يرقد على السرير الأبيض. وسبب استعارتي لهذا العنوان هو ما أطلعتني عليه سيدة فاضلة على ما لا نراه فعلاً من التعذيب الممنهج في سوريا. فبعد مقالتي عن هذا الموضوع، والذي جمعتها من الكتب والروايات التي كتبها من دخل السجون وعانى من التعذيب، جاءتني رسالة من هذه السيدة الفاضلة تقول بأن أحد أقاربها يعمل في الصليب الأحمر، وكان ضمن المجموعة التي زارت سوريا، وهم على العموم ممنوعون من الحديث عما يرونه من تعذيب أو قتل أو إبادة، وذلك حتى لا يتم طردهم أو منعهم من العودة إلى البلدان التي يُنتدبون للعمل فيها. ولذا فإن قريبها هذا لا يتحدث عما يراه حتى إلى أقرب الناس إليه. إنما تصرفاته تدل على أن ما يراه هو أهوال وليس حالات عادية. فن تصرفاته عندما يخرج من سوريا أنه قد يمكث أياماً لا يتكلم مع أحد حتى مع زوجته، ويكون في حالة نفسية صعبة، إلى أن يتم عرضه على طبيب نفسي أو أكثر من الذين يعملون مع الصليب الأحمر، وهؤلاء قد يخضعونه إلى تدريبات مركّزة ليعيدوه إلى حالته الطبيعية. والأطباء أنفسهم عندهم معرفة بما يراه العاملون في الصليب الأحمر، إذ يزورون البلدان المضطربة ويطلعون على حقيقة ما فيها، ولديهم خبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات. وللأسف فإن الذين يمارسون الاعتقال والتعذيب والقتل والإبادة يتصرفون بأوامر تأتيهم من رؤسائهم، لكنهم في الحقيقة يزيدون على الأوامر لإثبات ولائهم لأسيادهم، وهذا ما نراه على مختلف القنوات. لقد جاء فيما نشرته وكالات الأنباء تصريح لأحد مديري العمليات لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأنه في سوريا رُويت أو شُوهدت فظائع كثيرة ارتكبت بحق المدنيين خلال العامين الماضيين ناهيك عن الهجمات العشوائية على المدنيين واستهداف العاملين في مجالي الرعاية الصحية والإغاثة، مطالباً الدول بأن تضطلع بدور إيجابي عن طريق زيادة الضغط من أجل ضمان احترام القانون الإنساني الدولي ومعاهدة جنيف التي تحدد قواعد الصراع المسلح ومن بينها معاملة المدنيين وأسرى الحرب، وطالب بالكف عن الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي الإنساني وللمبادئ الإنسانية الأساسية. وأشار أيضاً إلى إن مئات الأشخاص يموتون في سوريا يومياً، وما زال عشرات الآلاف من الأشخاص في عداد المفقودين أو المحتجزين، مؤكداً مواصلة السعي حتى تتخذ السلطات السورية تدابير ملموسة تتيح للجنة زيارة المحتجزين. وتقول الأمم المتحدة إن نحو أربعة ملايين سوري بحاجة للمساعدات الإنسانية، من بينهم ما يقدر بنحو 2.5 مليون نزحوا عن منازلهم ويقيمون في مخيمات عامة تفتقر لأبسط قواعد الصحة العامة. فهل من مجيب أو مستجيب؟
إنشرها