العلاقات الأمريكية - السعودية .. 80 عامًا من الشراكة

خلال حقبة تفوق الثمانين عامًا، تمتعت كل من الولايات المتحدة والسعودية بعلاقة قوية، ومستندة إلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. فقد تأسست العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في عام 1933. وفي ذلك العام نفسه، وقّعت شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا، اتفاقية امتياز لاستخراج النفط مع السعودية. تطورت هذه الشراكة الأولية، بطبيعة الحال، لتصبح أكبر شركة نفط في العالم من حيث إنتاج النفط الخام وتصديره، ألا وهي، شركة أرامكو السعودية.
وكما تبينه الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية كيري، ما زالت علاقتنا تزداد وثوقًا حتى هذا اليوم. ويساور الولايات المتحدة والسعودية قلقً مشتركً بشأن الأمن الإقليمي وضمان الاستقرار في أسواق النفط العالمية. كما يساورنا سوية شعور مشترك من الاندفاع لعمل الخير، ولمساعدة البلدان الأقل حظًا، كما تبيّنه جليًا جهودنا المبذولة في المساعدات الخارجية، العامة والخاصة، على حدٍ سواء.
أما الاقتصاد والتجارة فيشكلان ركيزتين أساسيتين في علاقاتنا المتبادلة. فمن شأن التجارة، والاستثمار، والتعليم، والسياحة جميعها المساعدة في تعميق جذور العلاقة بين بلدينا، إذ إنها لا تتعلق بمجرد علاقة بين حكومة وحكومة فقط، بل أيضًا تتعلق بالعلاقات من الناس إلى الناس.
ولقد نمت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بدرجة هائلة خلال السنوات القليلة الماضية، إذ بلغت قيمة التجارة بين بلدينا في كلا الاتجاهين في العام الماضي نحو 74 مليار دولار. وكما أشار إليه الرئيس أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد لعام 2010، فقد وضع هدفًا طموحًا لزيادة قيمة الصادرات الأمريكية من مستواها الذي كان قائمًا في عام 2009 لتتضاعف في عام 2014. وقد بتنا نسير الآن في الطريق المفضي إلى تحقيق ذلك الهدف مع السعودية، إذ ازدادت قيمة الصادرات الأمريكية غير الدفاعية إلى السعودية بنسبة 68 في المائة تقريبًا. أما من وجهة نظر السعودية، فإن قيمة الصادرات السعودية إلى الولايات المتحدة فقد ازدادت بأكثر من الضعف خلال الفترة نفسها. كما استمرت تجارة الخدمات بيننا في التوسع في عام 2010، أي السنة الأخيرة التي توافرت فيها الإحصاءات، حيث صدّرت الولايات المتحدة ما يزيد على قيمة خمسة مليارات من الدولارات من الخدمات في حقول التعليم، وإدارة الأعمال، والخدمات الاستشارية المهنية إلى السعودية.
وكما هو متوقع، يبقى النفط جزءًا مهمًا في علاقاتنا الاقتصادية الثنائية. فمع تصدير السعودية بين مليون ومليون ونصف المليون برميل يوميًا من النفط إلى الولايات المتحدة، يشكل النفط أكبر الصادرات السعودية إلى بلادنا إلى حدٍ بعيد، تمامًا كما تشكل صادراتنا من السيارات أكبر الصادرات غير الدفاعية إلى السعودية. بيدَ أن علاقتنا تطورت إلى ما هو أبعد بكثير من النفط والسيارات. فالسعودية تشكل سوقًا كبيرًا للطائرات، والمواد الكيماوية، والآلات، والمواد الزراعية، ومنتجات أجهزة الكمبيوتر. وفي الاتجاه الآخر، علاوة على النفط، تشمل بعض أكبر مستورداتنا من السعودية المواد الكيماوية، والمعادن، والمنسوجات. ويشكل نمو عدد المصدرين الأمريكيين الجدد إلى السعودية مقياسا آخر لمدى نمو علاقتنا التجارية الثنائية. ففي العام الماضي دخل ما يزيد على 150 من الشركات الأمريكية إلى السوق السعودية للمرة الأولى.
إن علاقتنا هي أكثر من مجرد علاقة تجارية، هي شراكة. فالسعودية والولايات المتحدة هما أيضًا مستثمران رئيسان لدى بعضهما البعض، فمصفاة النفط موتيفا، في بورت آرثر، في ولاية تكساس، هي مشروع مشترك بين شركتي شل وأرامكو السعودية، ولدى هذه المصفاة قدرة لتكرير النفط الخام تفوق قدرة أي مصفاة أخرى في الولايات المتحدة، وقد اكملت في العام الماضي مشروع السنوات الخمس للتوسع. وفي العام الماضي، وقّع بنك التصدير والاستيراد الأمريكي أكبر قرض مباشر له بقيمة تقل قليلاً عن خمسة مليارات دولار إلى شركة صدارة للمواد الكيماوية، وهو مشروع مشترك بين شركة أرامكو وشركة داو كيميكال، من شأنه خلق فرص عمل تعدّ بالآلاف في كلا البلدين. وفي 12/12/2012، بعد انقضاء ثلاث سنوات على توقيع مشروعهما المشترك، أنتجت شركة معادن وشركة ألكوا أول إنتاج لمعدن ساخن من مصنع صهر الألمنيوم الذي سينتج ألمنيوم بأقل تكلفة من أي مكان آخر ضمن نظام ألكوا العالمي. ولا يقتصر هدف المشروع على ذك فقط، بل إن القصد من المشروع المشترك هو تأسيس مصنع دلفنة سينتج قطعًا للتصدير ولصناعة السيارات الآخذة في التطور في السعودية، وسيُنشئ هذا المصنع المزيد من فرص العمل في المملكة كما في الولايات المتحدة.
وعلاوة على التجارة والاستثمار، بتنا نرى أعدادًا متزايدة من الزوار المسافرين من السعودية إلى الولايات المتحدة، سواء أكان ذلك لأغراض السياحة، أو الأعمال، أو التعليم، أو العلاج الطبي. تستضيف الولايات المتحدة ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للطلاب السعوديين الذين يدرسون في الخارج، مما يساعد في تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في إنشاء اقتصاد المعرفة. ففي السنة الماضية، قدّّم نحو 132 ألف مواطن سعودي طلبات للحصول على تأشيرات دخول لزيارة الولايات المتحدة، بزيادة نسبتها 15 في المائة مقارنة بالعام السابق. ويمكن للسعوديين الذين يدرسون في الولايات المتحدة أو الذين يزورونها تعلمّ المزيد حول بلادنا ومشاركتنا في تلقي المزيد من المعرفة حول بلادهم.
وإذ نتطلع قُدمًا إلى المستقبل، نرى أن هناك المزيد من الفرص المتاحة لشركات الأعمال الأمريكية لكي تساعد وتساهم في النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، والتنوع في بلدينا كليهما على حد سواء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي