Author

بين المداح والنباح

|
قلت لهذا المحب الذي بالغ في مدحي: أرجوك لا تشتمني. بدا الرجل مستغربا. لكنني تابعت: المدح المبالغ فيه وغير المنطقي ينطوي على سخرية واستخفاف بعقل الممدوح والمستمع لهذا المديح. من المؤلم فعلا أن لغتنا الشاعرية العربية، تعتمد بقدر كبير على المبالغة في الأفضل والأذكى والأعقل والأكبر والأجمل والأكمل والأطول والأعلى والأسمى والأنبل والأكرم... إلخ. أسهمت عصور طويلة في صياغة المبالغة، وجعلها جزءا من صورة المشهد الذي تتطلبه ظروف الواقع المعاش. لكن الأمر يبدو بالنسبة للمدوح الحصيف: محض تهريج عليه أن يتجرعه باعتباره جزءا من سياق موروث. لقد أسرف المتنبي في مدائحه لكافور طلبا للولاية، ثم بالغ في هجائه المقذع بعد أن اكتشف أنه يضيع وقته وراء سراب. هناك قوافل بشرية كثيرة جاءت بعد المتنبي، مارست المدح والتطبيل طويلا، وعندما لم تنل بغيتها تحولت إلى الجهة الأخرى من خلال ممارسة الشتم باسم النقد، والهجاء باسم التعبير عن الرأي الآخر. إن كثيرين من حولنا يسيئون إلى كبارنا من خلال المدح المبالغ فيه، وبعض هؤلاء هدفهم أن يحصلوا من خلال هذا المدح على ما لا يستحقون، فإذا تم الاعتذار لهم بأن النظام لا يسمح، تحولوا إلى أفواه مسعورة. التوازن في القول والعمل قد لا يمنحك مزايا إضافية، لكنه على الأقل يجعلك تنام بضمير طيب وقلب مرتاح.
إنشرها