Author

لماذا لا ينهض السعوديون بالمهمة؟!

|
لا تتوافر قناعة كبيرة في أذهان بعض المسؤولين في القطاعيْن العام والخاص من أن الأعمال التي يقوم بها غير سعوديين لا يمكن أن ينهض بها سعوديون على خير وجه. وإذا كان هذا الانطباع جائزاً في قليل من التخصّصات النادرة والعلمية على وجه التحديد، فإنه قطعاً لا يصمد للامتحان الفعلي فيما لو تم إحلال المتخصّص السعودي مكان متخصّص مماثل غير سعودي طالما أن الاثنين مسلحان بذات المعرفة والمنهج، غير أن المسألة يعتريها التشوّه والانطباع الخاطئ ليس بسبب النظرة من قبل البعض إلى أن السعودي من بين الجنسيات مخلوق ذو إنتاجية متدنية أو ذهنية بليدة، كما لا يمكن أيضاً النظر إليه باعتباره إنساناً خارقاً يبز غيره من خلق الله، فهو مثله مثل سواه له ما له وعليه ما عليه ولكن ما كرّس الانطباع بعدم النهوض بما يقوم به غيره هو الاستسلام التلقائي لحالة استلاب لما هو أجنبي يعزّزها الوضع الذي يجد هذا الأجنبي فيه مميزاً من حيث الامتياز المادي الذي يحظى به، في حين لا يحظى به حامل التخصّص ذاته وربما أبرع من الطاقات البشرية الوطنية، مع الأخذ في الحسبان التأكيد على أن الأجانب المميزين يبرهن كثير منهم حقاً على التزام وتفاعل وإنتاجية لا يمكن نفيها عنهم تلعب لمصلحة الانحياز لهم وبقائهم، فيما يظل المميز السعودي محروماً من أن يحتل مكانه كي يبرهن عن جدارته حيث يكون. وإذا كان من نافلة القول إنه من حق المختص الأجنبي في الشركات والمؤسسات الخاصّة أو الجهات العامة أن يتمتع بامتيازه الجزل من جرّاء نوعية أدائه .. يصبح السؤال هنا هو: لماذا يبقى الحال على ما هو عليه؟ أي .. لماذا تقف التصورات الإيجابية عن إنتاجية الأجنبي لمصلحة الأجنبي بينما تقف التصورات السلبية عن إنتاجية المتخصّص الوطني المميّز ضدّه .. فلا هو يجد في نفسه الرغبة في العمل في هذه الجهة أو تلك ولا الجهات تتحمس له؟ هذه الأحجية المكرورة حلها معروف متداول بين أصحاب الكفاءات الوطنية أنفسهم وبين العموم حتى إنها ليست أحجية إلا على سبيل التندر .. وإلا فإن الكفاءات الوطنية المميزة ستدحض هذا الانطباع الخاطئ عنها على نحو قاطع لو تم منحها المقابل المادي الجزل نفسه الذي يتمتع به أمثالهم من غير السعوديين إلا أن المسألة ما زالت رهينة محبس التقتير على الكفاءة الوطنية مقابل سخاءٍ على سواها، رغم أن حلها في عدالة العطاء فلو تم تقديم الامتيازات ذاتها لتوافرت كفاءة وإنتاجية المختص السعودي بكل تأكيد .. بمعنى أن هناك خللاً في التقييم يسمح برفع سعر غير السعودي على حساب السعودي لأسباب عديدة لا علاقة لها بالتمييز العنصري - مثلاً! - أهمها، نظام البنود في الميزانية - في القطاع الحكومي - الذي غالباً ما يحظر على الجهات التعاقد مع المواطن ما يتيح تقديم مبالغ كبيرة له، بينما يتيح التعاقد مع غير السعودي بمجرد قرار واختيار الجهة، أما الشركات في القطاع الخاص فقد قرّ في سلوكها الإداري أن منح مرتب كبير لسعودي يُثير لغطاً لا يثيره توظيف كبير لغيره، فضلاً عن أن الحساسية من المنافسة من الشقيق المواطن لا تلعب لمصلحة السعودي لعوامل بينها الغيرة والحسد والأنانية .. ثم إن هناك عنصر الاحتراس والخشية من أن السعودي لن يكون طبّيعاً مستعداً للاستجابة لمزاجية الإدارة دون أن يعبر عن موقفه في الاعتراض على استغلاله فوق مهامه الوظيفية أو خارج وقت الدوام، بينما يرضخ غير السعودي في الأغلب لهذه المزاجية مجاملة منه تقتضيها ظروفه الخاصّة بتبعاتها المختلفة تماماً عن تبعات ما يرتبه موقف السعودي على نفسه، فيما لو اعترض! مع ذلك .. فإن تأثير المزاجية الإدارية ودورها في احتفاظ غير السعودي بموقعه، ليس لها ذلك الثقل الأساس الذي يلعبه المقابل المادي الكبير .. الذي لو تم توافره للكفاءة الوطنية بامتيازات الوظيفة الأخرى لشغل كثيرون من المختصّين المميزين الوطنيين مواقع عمل ما زالت شبه موقوفة على الأجنبي .. بل إن تكاثف هذه الكفاءات في مؤسساتنا العامة والخاصّة ستكون عامل تطوير لبيئة العمل نفسها، ولا تجعل للمزاج الإداري تأثيره السلبي بقدر ما تشيع فيها جواً من الحيوية والحماس، لا يصح معها إلا الصحيح، فلا يبقى إلا من هو أهل للبقاء سواء كان مواطناً أو غير مواطن .. فالإنتاجية حين تقابل بالمكافأة مادياً ومعنوياً هي بيضة القبان!
إنشرها