موجة بناء في الأراضي العشوائية لارتفاع أسعار أراضي الصكوك الرسمية
تسبب الارتفاع المتواصل في أسعار الأراضي النظامية في العاصمة المقدسة، في توجيه كثير من المواطنين بوصلتهم في بناء مساكنهم إلى الأراضي العشوائية المنتشرة في أطراف مكة، خصوصا في الجهة الشرقية منها.
وبرر هؤلاء المواطنون توجههم إلى هذا المسلك على الرغم من المخاطر المحدقة بتلك الأراضي التي قد تكون معرضة لمداهمات لجان التعديات، وسلوكهم إلى البناء وفق الطرز الحديثة وبتكلفة كبيرة، إلى ارتفاع أسعار الأراضي ذات الصكوك الرسمية، وثباتها وعدم انخفاضها، وأن مدة انتظارهم طالت، وكان لا بد لهم أن يعمدوا إلى بناء مساكن لهم لتأويهم وأسرهم، ويتخلصوا من هم الإيجارات التي هي الأخرى في تصاعد مستمر منذ نحو خمسة أعوام تقريبا.
من جهتهم أكد عقاريون أن هذا التوجه الذي طرأ على عملية البناء في الأراضي العشوائية هو بسبب العوامل التي ذكرت آنفا، إضافة إلى عدم تفعيل إصدار نظام تعدد الأدوار في مكة المكرمة، الذي من شأنه أن يحد من الارتفاعات الجنونية في قيمة إيجارات الشقق السكنية التي تثقل كاهل المستأجرين خصوصا الشباب منهم المقبل على الزواج.
وقال هشام بغدادي، نائب رئيس طائفة العقاريين في مكة: إن المناطق المجاورة لمكة المكرمة خصوصا في الجهة الشرقية، أصبح فيها حراك عقاري كبير في الجانب العشوائي دون الرسمي، حيث الإقبال الكبير على شراء الأراضي العشوائية من قبل المواطنين، الذين يرغبون في بناء مساكن لهم في تلك الأراضي، وفي المقابل هناك نفور كبير من الأراضي ذات الصكوك الرسمية، التي وصلت أسعارها إلى حد لا يستطيع فيه المواطن ذو الدخل المحدود مجاراتها، حيث راوحت أسعارها بين 500 ألف إلى أكثر من 800 ألف ريال، وهذه الأرقام فوق الاستطاعة''.
وتابع بغدادي حديثه: ''ونتيجة لهذا الإقبال الكبير من قبل المواطنين الراغبين في بناء مساكنهم، أصبح هناك حراك عقاري من قبل المستثمرين في العقار، حيث وجهوا بوصلة استثماراتهم إلى تلك الأراضي العشوائية، ولذلك نرى اليوم الأرض بسعر، ونجدها في الغد ارتفع سعرها تدريجيا، وهذا نتيجة حركة البيع والشراء المتواصلة في تلك المناطق العشوائية''.
عائش الرقيعي، أحد المواطنين الذين يملكون أرضا عشوائية، يقول: ''تملكت أرضا مساحتها 700 متر بقيمة 100 ألف ريال، وسأبني فيها منزلا طالما حلمت به يجمعني أنا وأسرتي ويبعدنا عن هم الإيجارات التي أرهقنا بها الطامعون الذين يرفعون في إيجار شققهم كل عام، وكأن شققهم تأكل وتشرب حتى يرفعوا سعرها''.
يضيف الرقيعي: ''لدي مبلغ ادخرته طوال 15 عاما، وسأقترض مبلغا من البنك سيساعدني على بناء منزلي الذي سيكون مسلحا وذا طابقين، ولو انتظرت أن تنخفض أسعار الأراضي ذات الصكوك الرسمية، فمن الأجدى أن يكمل رحلة الانتظار أولادي وأحفادي من بعدي، لأن الأسعار لن تنخفض وستكون متواصلة الارتفاع، وهذا ما لا نقدر على مجاراته''.
كما كشف عديد من الدراسات العقارية أن موضوع العقار في مكة المكرمة شبيه بالهدف المتحرك، الذي بدأت الأسعار تقفز قفزات كبيرة ما زاد من عدد المستأجرين، ولعل إزالة أكثر من 25 ألف عقار في توسعة الحرم المكي لمدة خمس سنوات أثرت في سوق العقار وجعلته يعيش هذه الحالة الأشبه بالجنون التي لم يتوقعها أحد على الإطلاق، فقد وصلت إلى معدلات خيالية فاقت كل التوقعات.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بتسجيل الصكوك الشرعية في السجل العقاري في الأمانة، فمشروع كبير قائم الآن من أجل أن يسجلوا الصك استمرت العملية سنتين في الأمانة.
وأدى تنامي الطلب نحو تملك قطع الأراضي السكنية، إلى ارتفاع أسعار العشوائيات لـ 55 في المائة، وسط تحذيرات، بمعاقبة المتورطين في عمليات البيع والشراء للمناطق العشوائية.
جدير بالذكر أن منطقة مكة، جاءت في مقدمة المناطق الإدارية التي من المستهدف بناء وتشييد مزيد من الوحدات السكنية فيها خلال الفترة المقبلة، بما يمثل نحو 27 في المائة تقريبا أي أكثر من ربع إجمالي عدد الوحدات السكنية المستهدف تشييدها في المملكة بصفة عامة، كما بلغ عدد السكان في المملكة، طبقا للنتائج الأولية لتعداد عام 2010 نحو 27 مليون نسمة مقابل 26 مليون نسمة عام 2009، وبما أن السكان يمثلون فئة العملاء المرتقبين للطلب على الوحدات العقارية، فإن ارتفاع أعداد السكان يعكس مزيدا من الطلب على الوحدات السكنية بمختلف أنواعها، وبالتركيز على منطقة مكة المكرمة فقد بلغ عدد سكان منطقة مكة نحو 6،9 مليون نسمة تقريبا، أي ما يمثل 25،4 في المائة نحو الربع تقريبا من إجمالي سكان المملكة.
كما أن الأراضي البيضاء تمثل ما نسبته 51 في المائة من النطاق العمراني في مكة وهي أراضٍ احتكرها تجار العقار، فالمواطن البسيط يبحث عن الأراضي والتجار يكتنزون المخططات وليس لدينا أو لدى الجهات المختصة مثل الأمانات والبلديات نظام يدفعهم للمضي قدما في العمران والتعمير أو البيع، حيث لا يملكون عصا سحرية لحل المشكلات التي يقف المواطن العائق الوحيد فيها.