بمناسبة انعقاد قمة التعاون في البحرين.. ما أشبه الليلة بالبارحة

تواجه منطقة الخليج اليوم تحديات غير مسبوقة ومخاطر جسيمة من كل حدب وصوب، وقد تحدثنا وفصلنا تلك المخاطر والتحديات في مقال سابق فقلنا إن مصدرها:
- إيران وسياساتها التوسعية التحريضية وبرنامجها النووي.
- الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة.
- جماعة الإخوان المسلمين المنتشية بتداعيات ''الربيع العربي''.
- السياسات الأمريكية المترددة والغبية تجاه التزاماتها الأمنية، وما يحاك في إطارها من صفقات سرية لإعادة تشكيل المنطقة وتغيير أنظمتها القائمة.
- ما عصف بالنسيج الخليجي الداخلي من أمراض التفتت والبغضاء المذهبية بسبب سياسات ملالي طهران وأتباعهم.
- منظمات حقوق الإنسان المحلية والأجنبية المدعومة من واشنطن لإحداث ما سمي ''الفوضى الخلاقة''.
وبسبب هذه المخاطر مجتمعة، ولكيلا تؤخذ دول مجلس التعاون على حين غرة، أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دعوته النبيلة للانتقال من التعاون إلى صيغة الاتحاد بهدف توحيد الإمكانات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والدفاعية والأمنية المتاحة من أجل تمكين دول مجلس التعاون من التصدي لما يحاك ضدها من مؤامرات محلية وإقليمية ودولية.
ولا شك لدي أن القيادة السعودية حينما طرحت هذا المشروع استشعرت كل المخاطر والتحديات التي أتينا على ذكرها، وتشاورت فيها مع شقيقاتها مسبقا. كما أنه لا شك لدي أن كل القيادات الخليجية تعي أن إقامة كيان خليجي جامع (حتى لو كانت وفق الصيغة الكونفيدرالية التي تتوحد فيه السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية فقط دون إقامة حكومة مركزية واحدة وقوانين فيدرالية تطبق على جميع دول مجلس التعاون سواسية كما هي الحال في النموذج الأمريكي) سيعني ظهور قوة عالمية جديدة على الساحتين الإقليمية والدولية قوامها 50 مليونا من البشر في عام 2015، ومساحة شاسعة من الأرض تصل إلى 2.6 مليون كيلومتر مربع، وموقع استراتيجي مطل على أهم الممرات الاستراتيجية الرابطة بين قارات العالم، وجيش نظامي مسلح بأفضل الأسلحة والتقنيات الحديثة، وقدرات تصديرية هائلة للنفط والغاز اللذين يعدان عصب الحياة للاقتصاد العالمي مع امتلاكها أكثر من نصف احتياطي البترول العالمي.
إن ما يلوح في سماوات الخليج اليوم من نذر الشر يشبه كثيرا ما لاح في سماواتها عشية إعلان لندن الخاص بالانسحاب من شرق السويس ''في موعد أقصاه عام 1971''، وإنهاء معاهدات الحماية. تلك المعاهدات التي أمنت استقرارا طويلا للمنطقة وجعلتها تنصرف إلى البناء والتنمية وإقامة الدولة المدنية العصرية دون أعباء أمنية ودفاعية مرهقة.
وقتها كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، ومعها الحروب بالوكالة على أشدها في أكثر من مكان من المعمورة، وكانت نفوط دول الخليج العربية، كما هو اليوم، مصدر إغراء للتدخل في شؤونها، وكان المعسكر العربي الثوري الراديكالي يتربص بدولنا ويحاول تصدير نموذجه الانقلابي السيئ إلينا تحت الشعارات البراقة المعروفة التي انخدعنا بها طويلا. كانت هناك أيضا إيران الشاهنشاهية المالكة لأضخم جيوش الشرق الأوسط قاطبة، التي لم تكن تكف عن تهديد دول الخليج العربية، وادعاء السيادة على هذا الجزء من ترابها أو ذاك، وفق مزاعم تاريخية باطلة، لكن الفارق أن نظام الشاه كان ينطلق من منطلقات قومية عنصرية، بينما ينطلق النظام الإيراني الحالي في سياساته وتحركاته التحريضية من منطلقات طائفية ومذهبية بحتة، وهو ما ينطوي على خطر أكبر. من جهة أخرى كانت الآلة الإعلامية السوفياتية ومريدوها من أحزاب وتنظيمات ماركسية محلية سرية تعمل على قدم وساق من أجل نشر خطاب الكراهية ضد أنظمة الخليج الشرعية وتصويرها بالأنظمة الرجعية العائقة للتطور والتقدم، محرضة شعوبها على اقتلاعها من جذورها. كما كانت أنظمة مجاورة خانعة للروس والماركسية والماوية مثل نظام عدن يساعد على هذا المنحى ويزيده لهيبا بأشكال مختلفة مثل دعم ثورة ظفار الماوية في جنوب عــُمان بقيادة بعض الخليجيين الراديكاليين من بقايا حركة القوميين العرب الذين أطلقوا ما عــُرف في حينه بـ ''الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي''. تلك الجبهة التي نحمد الله كثيرا أنها انكسرت، ولم تحقق حلمها وإلا لكنا اليوم نقاسي التخلف والفوضى وشظف العيش نفسها التي يعيشها إخوتنا في جنوب اليمن.
ولا حاجة لنا إلى التذكير بأن الذي حمى المنطقة، ولا سيما الحلقة الأضعف منها وقتذاك وهي مشيخات الساحل المتصالح السبع، هو الدعوة إلى الاتحاد والوحدة. تلك الدعوة الخيرة التي أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بمباركة سعودية - كويتية، بل قامت الرياض والكويت بمحاولات حثيثة لتذليل المصاعب التي اعترت تشكيل كيان اتحادي تساعي مكون من إمارات الساحل المتصالح السبع إضافة الى البحرين وقطر. غير أن الأمور سارت، كما هو معروف، في طريق مسدود، فما كان من الشيخين زايد وراشد حاكمي أبوظبي ودبي - رحمهما الله - إلا أن توكلا على الله وأطلقا اتحادا سداسيا، سرعان ما صار سباعيا بانضمام مشيخة رأس الخيمة إليه.
وولد هذا الكيان الذي اختار له الآباء المؤسسون اسم دولة الإمارات العربية المتحدة ضعيفا في البدايات، وهو ما جعل إيران الشاهنشاهية تتجرأ عليه وتنتزع منه ثلاث جزر في لحظة ولادته تحت سمع وبصر البحرية البريطانية التي لم تكن قد أنهت وجودها في مياه الخليج بعد، لكن مع مرور الوقت، ووجود الإرادة الفولاذية، والرؤى الخلاقة، والإدارة الحصيفة لدى صناع القرار في الدولة الوليدة، بدأت الأخيرة تنمو وتنطلق وتحقق المعجزة تلو الأخرى في التطوير والتحديث والتنمية الشاملة حتى صارت مضربا للأمثال في العالم، وملتقى للباحثين عن الراحة والاستثمار والعمل، فيما توارى الذين راهنوا على سرعة تفتته وعدم صموده، وهم يجرون أذيال الخيبة والفشل، ويتجرعون كؤوس المرارة والحسرة.
واليوم ونحن نستعد في البحرين لاستضافة قمة خليجية جديدة، حري بنا أن نوصل لقادتنا رسالتين، الأولى مفادها: أنكم أمام مسؤوليات واستحقاقات غير قابلة للتأجيل بسبب ما تعيشه المنطقة والعالم من اضطرابات ومؤامرات وصفقات مريبة، ستكون لها تداعيات سلبية مؤسفة على حاضر ومستقبل شعوبكم، إن لم تتحركوا وتتخذوا القرار الصحيح في الوقت الصحيح. والرسالة الأخرى مفادها: إياكم أن تلتفتوا إلى الأصوات النشاز المعترضة على فكرة الاتحاد الخليجي أو المشككة في جدواها. فهؤلاء أقلية لا تمثل سوى نفسها أو تعمل وفق تعليمات الأجنبي المعادي، بينما الأغلبية العظمى من مواطنيكم تؤيد الفكرة وتدافع عنها لأنها ستحقق لها حلما لطالما تمنته، ولأنها تعلمت الدرس من تجربة ذلك الشعب الخليجي الذي خلد إلى النوم مساء بعد عشاء جميل على صوت الموسيقى ليستيقظ صبيحة اليوم التالي على أصوات دبابات ومجنزرات الأشقاء الغزاة القادمين من الشمال، ثم ليجد نفسه مشردا في بقاع العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي