Author

شاهد عيان على حج عام 1433هـ

|
نِعَمُ الله لا تنقضي، وفضائله لا تحصى، وكرمه لا يبيد على كل مخلوق، فكيف لو توج ذلك بقرة العين، ومنحه تذكرة السفر إليه، وأمده بممحاة العمر، فعاد كيوم ولدته أمه؟ وهذا ما حصل معنا هذا العام، ولمثله ندعو أن يشمل القارئين، وأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أجمعين، ومن هناك، اخترت أن أكون شاهد عيان، فأهل مكة أدرى دائماً بشعابها. ومن عرفة أبدأ شهادتي، تلك المنطقة التي لا يصح الحج بغير الوقوف فيها، وصلنا إليها من الشرائع بنحو ثلاث ساعات، وبعض الحجيج تأخروا أكثر منا، وأحد أسباب الزحام كانت - كما قيل - المواكب الرسمية التي تغلق لها الشوارع، وهي كثيرة، ويتبع بعضها بعضا. وهنا نتوقف لنسأل: لماذا لا تستخدم الطائرات العمودية لنقل المواكب الرسمية بدلاً من السيارات؟ وشهادتي الثانية لخيام عرفة، كيف يمكن أن تواكب جودة خيام منى، وسلامتها، وحسن تنظيمها؟ وهل يمكن توفير تكييف لها بتقنية -district cooling - فهي أفضل وأقل استهلاكا للطاقة كما هي الحال في شارع الشيخ زايد في دبي. شهادتي الثالثة على النفرة من عرفة والتأخير الذي حدث في هذه النفرة، بسبب قطار المشاعر الذي يفترض أنه صنع خصيصاً للحفاظ على الوقت، بأقل جهد، فقيمة تذكرة قطار المشاعر 250 ريالاً، والمدة التي يقطعها بين محطة عرفة ''2'' إلى محطة مزدلفة ''3'' في غضون ثماني دقائق تقريباً، والوصول في هذا الوقت أكثر من رائع، لكن حال دونه انعدام التنظيم، حيث قامت الشركة المسؤولة عن بيع تذاكر القطار ببيع نحو 950 ألف تذكرة، وهي تشكل 25 في المائة من إجمالي الحجيج هذا العام حسب التصاريح الواردة في الصحف، وأن القطار نقل 25 في المائة من الحجاج هذا العام، إذاً إجمالي واردات القطار لهذا العام هي 237 مليوناً و500 ألف ريال، وهو مبلغ يستحق خدمة أفضل، وترتيبا أعلى. وبكل بساطة، إذا علمنا أن القطار يستوعب ما يقارب ثلاثة آلاف حاج، وفي الانتظار ما بين تسعة إلى عشرة آلاف حاج، فكم يجب أن يكون عدد فرق التنظيم في المحطة؟ أعتقد أنه لا يقل عن 5 إلى 10 في المائة من إجمالي الطاقة الاستيعابية للمكان، يعني، نحن نتكلم عن الحاجة إلى نحو 100 شخص يديرون هذا الحشد في كل محطة. وما حدث معي كان مشكلة مركبة بحق، فإضافة لما ذكر، رافقتني ثلاث نسوة، إحداهن تحتاج إلى كرسي متحرك، وبسبب عدم وجود طريق له كنا نضطر إلى حمل الكرسي بدلاً من أن يحملها، لم يكن في المحطة أكثر من عشرة موظفين في وقت وجودي، ومع إصرار مجموعة من الحجاج الذين لديهم أشخاص على كراسي متحركة، فقد أخذ منا وقت الانتظار أكثر من ساعتين، وأخذ من الحجاج العاديين ما يقارب الأربع ساعات حتى الدخول إلى القطار، أما الوضع داخل القطار فقد كنا مثل ''علبة السردين'' رجالاً ونساء، حتى أنك لا تستطيع أن تحرك يدك، لكنك تستطيع أن تسأل: هل هذه نتيجة مشروع كلفنا ستة مليارات ريال؟ وتستمر التساؤلات: ألم يكف هذا المبلغ لعمل دورات مياه في محطات القطار الست للحجاج؟ أيعقل أن يكون كل ما هو موجود اليوم ثلاث دورات مياه للموظفين، الذين تعاونوا مشكورين وسمحوا للحجاج باستخدامها، ألم تك كافية لإنشاء أماكن لبيع المياه، وهذا أيضاً يعتبر مصدر دخل آخر للمشروع إذا ما علمنا أن المحطة تستوعب ما يقارب عشرة آلاف مسافر أو حاج في منطقة الانتظار! ونسأل من جديد: ألم تكن كافية لتهيئة مسارات خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيما في محطة عرفة ٢؟ وفي أي محطة قطار في العالم توجد لوحة تبين مواعيد الرحلات وكم الوقت المتبقي للرحلة القادمة؟ الجواب: اللوحة موجودة عندنا من دون أي معلومة. شيء آخر، بعد أن حصلت الشركة على قيمة التذاكر سمحت للجميع - من ملك التذكرة ومن لم يملكها - بدخول القطار، وتوجد علامة استفهام كبيرة، هل فعلاً الهدف هو خدمة الحاج أم الاستفادة منه؟ ومع القطار أيضاً، فبعد رمي جمرة العقبة وصلنا محطة الجمرات في تمام الساعة 2 صباحاً، كان القطار متوقفاً! والسبب - حسب موظفي المحطة - أنه موعد صيانة مجدولة، وأقول: صيانة! وفي قطار يعمل 120 ساعة في السنة، ويحتاج إلى ساعتين من هذه الـ 120 ساعة للصيانة المجدولة؟ نعم، كانت هناك مشكلة واضحة في التنظيم في قطار المشاعر، نحتاج إلى تضافر خدمات أخرى، لم لا نستقدم جوالة الجامعات أو الكشافة لإدارة محطات القطار؟ أنا على يقين أنهم سوف يبدعون في إدارة هذه المحطات ولن يكلف تشغيلها الكثير، بل لن يكلفوا أكثر مما يدفع الآن، كما يجب تحديد مواعيد لكل حملة تركب القطار مثلما يحدث في الطيران، ويمنع من لا يحمل تذكرة من دخول القطار، ولا نتعاطف مع من يخالف النظام. شهادة أخرى حول مشكلة الافتراش والدخول إلى الحج بشكل غير نظامي، الحج هو لمن استطاع إليه سبيلا، ويسقط هذا الركن عند عدم القدرة عليه، لماذا لا تطبق الدولة نظاماً تختاره وتجده مناسباً تعاقب فيه الحملات المخالفة التي ترمي حجاجها في الشارع، بما يصل إلى التغريم والإيقاف عن ممارسة المهنة؟ وفيما يخص الدخول غير النظامي، نحتاج إلى سن قوانين جديدة، فغير معقول أن نتحمل العواقب وحدنا، في حين يكون سبب ذلك كله التسامح الكبير الذي يميز قلب المملكة. أما الجمرات، فكل الشكر والتقدير على العمل الجبار الذي تم هناك من ناحية تجهيز المكان بالطوابق المتعددة، وكذلك إدارة الحجيج إدارة متميزة، وهذا أكبر دليل على أنه إذا أردنا أن نفعل شيئاً فكلمة مستحيل ليست في قاموسنا. ختاماً، نذعن لكل الجهود التي وقفت وراء إنجاح الحج، فحسب الإحصائيات الرسمية أن عدد حجاج هذا العام كان نحو ثلاثة ملايين و800 ألف نسمة، وهناك كثير ممن دخل من غير تصريح تجاوز عددهم 1.3 مليون، إذا نحن نتكلم عن عدد في حدود أربعة ملايين حاج، وهو رقم ليس بالسهل، وبالتالي الجهود التي تديره، هي أيضاً ليست سهلة، لذلك نذعن ونقدر جميع الجهود والإمكانات التي بذلت من أعلى هرم هذا الوطن الغالي سيدي خادم الحرمين الملك عبد الله، إلى أصغر مواطن أسهم في تيسير الحج هذا العام، وكل عام ومملكتنا العزيزة بألف ألف خير.
إنشرها