الأقليات يقررون ساكن البيت الأبيض

عاد الرئيس الـ 44 للولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما لفترة ثانية للبقاء في البيت الأبيض، كان هو أول من أعلن ذلك بكلمات ثلاث قام بتغريدها على ''تويتر'': (Four more Years أربع سنوات أخرى).
ومع أن المنافسة بينه وبين ميت رومني خلال الأشهر الماضية، خصوصا الأشهر الأخيرة، قد زرعت قدراً هائلاً من القلق على مديري حملة باراك، إذ شكل ميت رومني تهديداً حقيقياً لأسباب عديدة أهمها الحالة غير الجيدة للاقتصاد الأمريكي والبطالة إلا أن باراك رغم ما ذهب إليه كثيرٌ من التكهنات أنه، إن فاز في السباق فلن يكون ذلك إلا بفارق جد ضئيل، لكن تداعيات الساعات الأخيرة عقدت الألسنة دهشة لدراماتيكية التحوُّل في المشاعر بفوز بارك المميّز.
إن الفوز بمنصب رئاسة أمريكا حدثٌ عالميٌّ كبيرٌ لاعتبارات سياسية واقتصادية تتعلق بالمكانة العظمى للولايات المتحدة كقوة شاهقة التقدم، لكن مجيء الرئيس أوباما ذي الأصل الإفريقي والتماس العائلي مع الإسلام، في بلد لم يودع التمييز العنصري إلا في ستينيات القرن الماضي علاقته متوترة بالإسلام، خصوصاً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، يمثل علامة فارقة فاقعة اللون عالية الرنين على أن شيئاً ما قد حدث في أمريكا وأن ثقافة جديدة تبزغ في فضاء الثقافة الأمريكية التي كانت سائدة قبل مجيء باراك أوباما.. بمعنى أن مجيئه كان إيذانا بأن أمريكا لم تعد أمريكا التي كانت.. أو الأصح أن أمريكا لم تكن أشد تجسيداً للحلم الأمريكي البكر أكثر منها اليوم، أما حين يُعاد انتخابه ــــ رغم كل الظروف غير المواتية في سنواته الأربع السابقة وبهذه النسبة الكاسحة من المجتمع الانتخابي بالذات ـــ فهذا يعني أن حلم المهاجرين الأوائل يُعيد استعراض قوة حضوره في المهاجرين اللاحقين على نحو كاسح، وأنه إذا كانت القناعة في الـ 200 سنة الماضية قد رسخت شكلاً ولوناً ساكن البيت الأبيض وأهم القوى الانتخابية الفاعلة واللوبيات حتى الولايات التي يمكن أن تصنعه، وتأتي به سواء برمزية العم سام أو ''الردنكس'' أو مهاجري أوروبا.. فإن هذه القناعة بالذات هي ما تحطمت مع عودة الرئيس باراك أوباما للبيت الأبيض، فعلاوة على سحر شخصيته وما يُقال عنه ''أوباما مانيا'' أي الهوس بأوباما؛ الذي أهّله في فجر فترة رئاسته الأولى لنيل جائزة نوبل للسلام، وعلى سماع الأمريكيين رجلاً يخاطبهم بصراحة لم يتملص فيها بذلاقة عن عدم إنجاز بعض ما وعد به مع الإيحاء بثبات العزم والسعي عملياً لتحقيقه، فإن الأكثر دراماتيكية في عملية الانتخابات تبدّى في قدرته على جذب كل الأقليات في أمريكا (يهود، لاتينيين، آسيويين، إسبان، كوبيين، عرب، وطبعا أفارقة)، ودفعها للتصويت له بأغلبية مثيرة غير معهودة حتى إن كانت معروفة تاريخياً بميلها للحزب الديمقراطي، (حزب الرئيس)، فقد بدا تأثير حضورها في هذه الانتخابات، كما قلنا علامة فارقة فاقعة اللون عالية الرنين تؤكد أن الولايات المتحدة بمجيء الرئيس باراك أوباما لفترة رئاسية أخرى لم تعد قط كما كانت، وأن أمريكا منذ هذا التاريخ باتت تحت تأثير ثقافة مركبة تلعب فيها الأقليات دوراً حاسماً بشكل إيجابي عبَّر عنه القبول برئيس أسود مرتين، بل منافس من طائفة المورمنز لم يتردّد الجمهوريون معه.. هذا يعني أنه منذ اليوم فصاعداً فإن الأقليات في أمريكا هي التي ستقرر ساكن البيت الأبيض، لأن أمريكا نفسها باتت مجتمع أقليات أكثر من ذي قبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي