ماليزيا: مبادرةخادم الحرمين لحوار الأديان تؤصل القيم النبيلة بين الشعوب
انطلقت أمس في العاصمة الماليزية كوالالمبور الندوة العلمية حول "مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والحضارات" التي تنظمها الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتستضيفها الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا.
وبدأت أولى الجلسات العلمية للندوة بورقة عمل بعنوان "مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.. آمال وتطالعات" قدمها مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، أكد فيها أن خادم الحرمين الشريفين عبر في كل مناسبة عن إيمانه العميق بأهمية أن يسود السلام كل مناطق النزاع، وأن تتم معالجةُ المشكلات بالحوارِ الذي يُرسِّخُ المبادئ المشتركة بين الأممِ والحضاراتِ المختلفةِ، ويسعى إلى تعزيز التعايش والتفاهم وإشاعة القيم الإنسانية، كمدخل لإحلال الوئام محل الصدام؛ ونزع فتيل النزاعات، والمساهمة في تحقيق الأمن والسَّلام العالمين المنشودَين.
#2#
وقال: على الصعيد المحلي، فعلت المملكة ثقافة الحوار على أوسعِ نطاقٍ، وتبنَّت عام 2003 م مفهوم "الحوار الوطني" الذي تتواصل من خلاله العقول والأفئدة لتناقش بكل شفافية ما يجمع كلمتها ويوحّد رسالتها بكل قناعة ومصداقية لنشر الوسطية والاعتدال والاحترام، حيث تمَّ إنشاءُ مركزٍ متخصصٍ للحوارِ الوطني، يشاركُ فيها جميعُ أطيافِ المجتمعِ السعوديِّ، وانطلاقا من الآمال بالإخاء والتعايش بين أتباع الأديان والثقافات، وبحكم مسؤوليتها الدينية والسياسية، أطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرته التاريخية للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وأسفرت لقاءاته مع قيادات دينية وسياسية عالمية، من بينها لقاؤه التاريخي مع بابا الفاتيكان، وتواصله مع مختلف الفعاليات العالمية، وتبنيه المواقف الحضارية - عن بدء المبادرة التاريخية والإنسانية التي تسخّر السياسة لخدمة الدين؛ ووضعت حلولاً حضارية للعالم، مُفعمة بالتفاؤل، والتأكيد على أن ما يحدث الآن من صراع لا يشكّل ظاهرة، بقدر ما يشكّل حالة طارئة ليصبح الحوار والتعايش أفضل تقديم للثقافة الإنسانية بأسرها.
وقال ابن معمر: إن خادم الحرمين الشريفين أطلق مبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ثم توالت اللقاءات والمؤتمرات وكان من ثمرتها تأسيس مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا لنشر قيم التسامح والمحبة والأمن والسلام والتعايش في أرجاء المعمورة قاطبة من خلال ثلاثة محاور:
أولها: احترام الاختلاف من خلال الحوار، بحيث يصبح المركز حاضنة للتواصل بين أتباع الأديان والثقافات وللتبادل والتعلم التطبيقي، والتعامل مع المجالات الرئيسة للمفاهيم الدينية الخاطئة بين أتباع الأديان، واستخدام مشاركة الأفراد والمؤسسات لتفعيل الحوار وتطبيقه.
والمحور الثاني: تأسيس قواسم مشتركة بين مختلف الجماعات من خلال تشجيع التوافق بين الجماعات حول القضايا الإنسانية، والمشاركة في فعاليات تقنية وثقافية وتراثية مرتبطة بجدول أعمال المركز الخاص بالحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وإطلاق برنامج عالمي مع المراكز العالمية للحوار والمؤسسات المشابهة لتشجيع مشاركة الشباب عبر برامج وفعاليات متنوعة وإطلاق برامج تدريبية لتنمية مهارات الحوار والاتصال لديهم، وجذب اهتمامات وطاقات الشباب إلى قضايا وقيم الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.
والمحور الثالث: تحقيق المشاركة الدينية والحضارية والمدنية بين القيادات الدينية والسياسية من خلال توفير محافل لمناقشات ملائمة رفيعة المستوى لإشراك صانعي السياسات في المناظرات الخاصة بالقضايا الدينية والثقافية.
وإعداد "منتج" استراتيجي أو "خدمة" استراتيجية يختص بها المركز وتقدم مساهمة متميزة ومستمرة في مجال الحوار عالمياً، والعمل مع آخرين لتأسيس مجموعة خاصة نموذجية متعددة الأطراف تتألف من شخصيات دينية ومدنية وتتمثل مهمتها في مناقشة ومناظرة وإصدار تقرير متفق عليه حول موضوع "الدين خيار للتمكين" والتكليف بأبحاث حول المواقف العامة وفهم المبادئ الدينية الأساسية وكيف تنعكس أو لا تنعكس على الأسس المجتمعية المدنية، والسعي إلى إيجاد حلول للنزاعات الدينية بحيث يصبح الدين جزءاً من الحل.
وفي ختام ورقته أكد مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، أن الحوار الفعال يعني نشر الوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والتشدد الديني الذي ينكر حق الآخرين، إنه الحوار القائم على المبادئ والقيم المشتركة بين مختلف العقائد والديانات وبذلك يكون حوارا بناءً من أجل عيش كريم آمن للبشرية جمعاء.
يذكر أن الجلسة الأولى تضم كذلك بحثاً بعنوان "جولات الحوار بين الأديان والحضارات التي قادتها المملكة العربية السعودية: الأهداف، والنتائج" لوكيل الجامعة الإسلامية للتطوير الدكتور محمود بن عبد الرحمن قدح، وبحثاً حول "الحوار مع الشرق.. حوار أفراد أم حوار مؤسسات دينية" لعضو هيئة التدريس في الجامعة الوطنية في ماليزيا الدكتور فضلان محمد عثمان، كما يطرح عميد شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية الدكتور سليمان بن عبد الله الرومي بحثاً عن "الخطاب التاريخي لخادم الحرمين الشريفين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتأصيل العلاقة بين البشر في منظورها الإسلامي".
فيما تشهد الجلسة الثانية بحثاً لمستشار دولة رئيس الوزراء الماليزي للشؤون الدينية للدكتور عبد الله زين حول "منهج الوسطية طبقاً للتجربة الماليزية"، وبحثاً لوكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية الدولية عبد الرحمن بن عبد العزيز الهزاع عن "دور وسائل الإعلام في دعم الحوار بين أتباع الأديان والحضارات"، وتُختتم ببحث بعنوان "المبادرات السعودية للحوار وإعادة تشكيل صورة العرب والمسلمين في ذاكرة العقل العالمي" للدكتور عبد الرب بن نواب الدين عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية في المدينة.
وفي الجلسة الثالثة يطرح نائب مدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا الدكتور عبد العزيز برغوت بحثاً عن "إعادة بناء جسور التعاون بين العالم الإسلامي والغرب في ضوء الإسلام الكبرى: الأسس والقيم"، كما يقدم الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف وكيل الدعوة في الجامعة الإسلامية في المدينة بحثاً حول "المبادرات السعودية للحوار والنقلة النوعية للعلاقات الإنسانية من صدام الحضارات إلى حوار الحضارات"، وتختتم الجلسة الثالثة ببحث بعنوان "الأبعاد الإستراتيجية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان" يقدّمه الدكتور محمد بن عمر فلاتة عضو هيئة التدريس في الجامعة الإسلامية في المدينة.
وأكدت الدكتورة زليخة قمر الدين مديرة الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، في كلمة خلال الحفل الذي حضره مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، وسفير خادم الحرمين الشريفين في ماليزيا فهد الرشيد، أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والحضارات تمثل مرتكزا قويا لمعالجة العديد من القضايا والتحديات ذات الأبعاد الجيو سياسية والثقافية والحضارية.
وقالت: إن الكثير من هذه المشكلات على حد تصور العديد من الأكاديميين ناتجة عن فكرة صدام الحضارات ولتجنب هذا المآل، تأتي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعادة الحوار بين أتباع الأديان والحضارات وبناء علاقات عالمية متوازنة من أجل السلم والاستقرار والتعاون.
وعدت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالقاعدة الصلبة ومنها يستوجب ضرورة الانتقال وتحويل الرؤية إلى واقع ملموس يستفيد منه العالم كافة، مشيرة إلى أن هذه الندوة تعقد في وقت مناسب وستناقش قضايا مهمة بوجود نخبة من العلماء.
بعدها ألقى الدكتور محمد العقلا مدير الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة كلمة أكد فيها أن سماحة الدين الإسلامي وإنصافه، جاءت بإقرار الحق مهما كان مصدره، والاعتراف بالصواب بغضّ النظر عن قائله.
وأضاف أنّ مبدأ الحوار بين أهل الأديان مبدأ قرآني خالص، وأسلوب نبويّ مشروع، إذ نجد القرآن ينادي أهل الكتاب في أكثر من موضع، محاوراً لهم في شبهاتهم، ومتسائلاً عن أدلتهم، يقابل الحجة بالحجة، منطلقاً إليهم مما يؤمنون به، ومحتجا عليهم بما يعتقدون، ومناقشاً لهم فيما خالفوا فيه الحق.
وأشار إلى أن هذا المبدأ هو الذي وفق الله خادم الحرمين الشريفين للانطلاق منه، في مبادرته السامية "للحوار بين أتباع الأديان والثقافات"، وهي المبادرة التي تنعقد حولها هذه الندوة المباركة.
وأكد أن هذه المبادرة تفترض أن الحق مُشاع لا يحق لأحد احتكاره، والصواب ضالة يسعى كل صاحب دين أو ثقافة تحصيله، وما لم يؤمن أصحاب الأديان والثقافات بهذه الفكرة، فلا يمكن تحقيق التعايش والتوافق والتسامح الذي هو أساس العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان.
بعدها ألقى اللواء داتو سري جميل خير الوزير المكلف للشؤون الإسلامية في ماليزيا كلمة أكد فيها دور الدين في بناء الحضارة وأنه يغرس القيم النبيلة في المجتمعات، مشيراً إلى أن العالم يواجه أزمات كبيرة لا حل لها إلا بالحوار الذي يعزز التفاهم بين الشعوب، مثمناً مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ودورها في تأصيل تلك القيم النبيلة للتعايش السلمي بين مختلف الشعوب في العالم، التي توفر أسسا قوية لمزيد من التفاهم وتعزيز ثقافة احترام الحوار والسلام والأمن والاعتدال المتبادل.