Author

شركة المعجل ومشكلة الاعتراف بالإيرادات

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
تم إيقاف شركة المعجل عن التداول، وهذا ليس جديدا على الأسواق المالية بشكل عام، ولم يعد كذلك بالنسبة للسوق السعودية، فقد سبقت ''المعجل'' شركات عدة ليست شركة عذيب بآخرها، التي استطاعت العودة للتداول بعد حل مشاكلها، هذه هي حال قطاع الأعمال فهو عالم من المخاطر. لهذا نقول دائما: إن على المستثمرين في السوق المالية فهم هذه المخاطر وقراءة القوائم المالية بحرص، خاصة عندما يقدم المراجع لفت انتباه أو تحفظ في تقاريره. وعلى كل حال فإن هيئة السوق المالية بريئة – في نظري – من مشكلة شركة المعجل براءة الذئب من دم ابن يعقوب. إدراج شركة المعجل للتداول لم يكن خطأ هيئة السوق المالية، فقد كانت الإجراءات سليمة والقوائم المالية مدققة والشركة تعمل في مشاريع بمليارات الريالات. المشكلة التي أفسدت أعمال الشركة بعد الإدراج (كما توضحها القوائم المالية) هي المبالغة في الاعتراف بالإيرادات غير المحققة فعلا، أو يمكن اعتبارها مشكلة إدارة هذه الإيرادات. من الملاحظ أن هذه المشكلة لم تكن متفاقمة قبل إدراج الشركة في السوق المالية، فالشركة كانت تعمل بحرص في الاعتراف بهذه الإيرادات ثم فجأة وبلا مبررات بدأت المشكلة تتفاقم حتى كسرت ظهر الشركة أخيرا. لذا أقول: إنه لا أحد يسأل عن ذلك سوى الشركة نفسها وعليها وحدها أن تقوم بمهمة التنظيف وإعادة الثقة للناس. لتوضيح المسألة، خاصة لغير المختصين (مع اعتذاري للمختصين) فإن مشكلة تسجيل الإيرادات من أعقد مشاكل المحاسبة. في ظاهر الأمر تبدو المشكلة (تسجيل الإيرادات في الدفاتر) قضية سهلة، ففي بقالة بسيطة يتم تسجيل الإيرادات عند البيع مثلا فإذا أخذ الزبون السلعة ودفع النقد فقد حققنا إيرادا ويمكن أن نسجله في الدفاتر ونفرح به، لكن المشكلة هذه تبلغ ذروتها في قطاع المقاولات الذي تعمل فيه شركة المعجل، فالشركة تعمل على مشروعات يتطلب تنفيذها سنوات عدة وتبدأ المشروعات بدفع مبالغ ضخمة من خزانة الشركة (لشراء المواد وغيرها كثير) ثم ترفع مستخلصات بما تم إنجازه من مراحل المشروع، لكن العميل لا يدفع فورا قيمة هذه المستخلصات، بل يدرسها أولا. لا تنتظر الشركة قرار العميل فيجب أن تسلم المشروع خلال فترة وجيزة، لذلك تستمر في الصرف من خزانتها على أمل أن يقوم العميل بالموافقة على الفواتير المرسلة (المستخلصات) وتحصل على النقد اللازم لاستمرارها. المشكلة إذا انتهت الفترة المحاسبية (سواء سنة أو ربع سنة) ولم يقم العميل بدفع أي نقد للشركة. هنا تظهر صورة الشركة بمصروفات وتكاليف ضخمة تم دفعها وليس في مقابلها إيرادات، وعندها ستكون القوائم المالية مخجلة فهي تظهر خسائر ضخمة (الإيرادات صفر ومصروفات بالمليارات) وقد يتدهور سعر السهم، وهذا غير حقيقي، فالشركة لم تخسر فعلا، وسيدفع العميل لاحقا ما عليه. من هنا يقدم المحاسبون الحل بإثبات الإيرادات الخاصة بتلك الفترة فعلا، وفي مقابل ذلك يتم تحميل العملاء بقيمة ما عليهم كمدينين. نجاح هذه الطريقة يعتمد أساسا على صدق إدارة الشركة في تقييم ما تم إنجازه وقيمته وعدم تورطها في تضخيم الإيرادات بمبالغ غير حقيقية أو لا يمكن تحصيلها، وهو ما حصل مع ''المعجل'' تقريبا. قبل عام 2007 لم تظهر القوائم المالية للشركة هذه المشكلة رغم أن السياسات المحاسبية شرحت في ذلك الحين أن الإيرادات ستسجل وفقا لطريقة نسبة الإتمام (وهي الطريقة المحاسبية المقبولة لتسجيل الإيرادات التي لم تدفع فعلا في هذا النوع من المشاريع)، كما أشارت الشركة في سياستها المحاسبية إلى بند سمته الإيرادات التي لم يصدر بها فواتير، وعرفتها الشركة بأنها إيرادات محققه (أي تم إثباتها كمحققة وفقا لطريقة نسبة الإنجاز)، بينما لم يصدر بها فواتير بعد (أي لم يعلم بها العميل ولم تسلم في مقابلها مستخلصات) وستصدر فواتيرها ومستخلصاتها في السنوات التالية. من الغريب أنه حتى نهاية عام 2007 لم يظهر في هذا البند مشاكل لكنها تفاقمت بعد إدراج الشركة للتداول، ففي قوائم عام 2008 ظهر أول لفت انتباه من مراجع الحسابات على هذا البند (إيرادات لم يصدر بها فواتير بلغت قريبا من 900 مليون ريال)، وهذا مبلغ ضخم جدا ويدل على أن الشركة كانت تبالغ في تضخيم إيراداتها دون ثقة كافية وتقدير حصيف لها. ونتيجة لهذا بدأت المشاكل تتفاقم مع عام 2009 عندما رفض العملاء قبول عدد من هذه المبالغ (بعد دراستها)، وهو ما أشارت إليه إدارة الشركة في تقارير عام 2009 عندما عزت الخسارة في ذلك العام إلى أنها اضطرت إلى إعادة تقييم هذا البند مرة أخرى نتيجة المفاوضات مع العملاء وخسرت الشركة مبلغ 235 مليون ريال مع ذلك استمرت في تعظيم هذا البند وطريقة التقييم غير الحصيفة، لكن المدهش هنا أن مراجع الحسابات لم يقدم أي لفت انتباه عن هذه المشكلة عام 2009، وهو الذي لفت الانتباه إليها قبل ذلك التاريخ وبعده، فهل كانت مشكلة الإفصاح كاملة الأركان بحيث كان المراجع والشركة يتبادلون الأدوار في إخفاء هذه المشكلة؟ فلا يلفت المراجع الانتباه إليها في تقريره فتبدو الشركة بلا مشاكل، بينما تتحدث عنها إدارة الشركة بين السطور الداخلية للتقرير العام لها. وهكذا تركت المشكلة تنمو وتتفاقم بينما إدارة الشركة تستمر في التورط في مشاريع غير مجدية وتعترف بإيرادات مشكوك فيها فعلا. وكي تستمر الشركة في مواجهة زيادة الأعباء والمصروفات ذهبت للحصول على تسهيلات من البنوك لتزيد من الطين بلة وتسهم في توريط الآخرين معها. بالطبع – وإن كان الأمر يحتاج إلى مزيد من المعلومات - لم يكن المراجع متورطا مع الشركة في هذا، فقد كان يلفت الانتباه على طول الطريق من تفاقم هذه المشكلة (ما عدا عام 2009) وتأثيرها، لكنه في اعتقادي تماهى مع الشركة في تقييم قدرتها على الاستمرار وعندما توسعت المشكلة لتشمل قدرتها على دفع التسهيلات الممنوحة لها، واكتفى بتأكيد الإدارة ولم يصرح بشكه أو بأي عبارة أخرى توضح رأيه في تقييم القدرة على الاستمرار. فحتى عام 2011 كان يقول: إن الشركة على ثقة بمواصلة أعمالها والحصول على مشاريع جديدة وتوفير التمويل اللازم، لكنه لم يصرح بتقييمه لهذه الثقة التي تعتقدها الشركة بنفسها. في نظري فإن قدرة الشركة على الاستمرار لم تزل قائمة، خاصة إذا نجحت في إقناع المستثمرين بزيادة رأسمال الشركة لتغطية التكاليف التي تكبدتها الشركة في مشروعات غير مدروسة. ولنجاح ذلك يجب على الشركة أن تكون أكثر شجاعة في تقييم المشروعات بدقة وبناء نموذج أفضل لتقييم الإيرادات. كما يجب القيام بتحقيق واسع تنفذه الشركة نفسها وتصرح بنتائجه للمستثمرين، كما فعلت شركة أوليمبوس اليابانية، فالشركة في حاجة الآن إلى إعادة الثقة بها وبحصافة إدارتها والتزامها بتنفيذ ما تعد به.
إنشرها