نجاح «التمويل العقاري» يعتمد على توافر السيولة وارتباط الرقابة بالتنفيذ الفعال

يعتبر تمكين المستفيدين من تملك العقارات بطرق ميسرة من خلال سوق كفؤ وفعال، أبرز أهداف منظومة التمويل العقاري في المملكة، والتي تشمل نظام الإيجار التمويلي، ونظام الرهن العقاري، ونظام مراقبة شركات التمويل، ونظام التنفيذ.
ورغم أن العديد من المراقبين والمهتمين يؤكد بإصرار أن نجاح نظام التمويل العقاري يرتبط بالمراقبة والتثمين وتخفيض الفائدة، إلا أنهم يغفلون أن النجاح المنشود يعتمد على عاملين أساسيين: توافر السيولة في سوق التمويل العقاري وارتباط الرقابة بالتنفيذ الفعال.
فمن حيث عامل السيولة هناك وسيلتان لتأمينها - ولم تتطرق إليهما الأنظمة المقترحة - وهما التوريق أو التسنيد وشركات إعادة التمويل، بل نجد إشارة إلى مقدور الممولين العقاريين (المصارف وشركات التمويل) بإعادة التمويل في السوق الثانوية؛ إلا أننا لا نجد تنظيماً لكيفية عمل تلك السوق الثانوية حيث إن تأمين تمويل متوسط وطويل الأجل يتطلب سيولة موائمة وبأسعار فائدة ثابتة. هذا ويتطلب التوريق تأسيس شركة لشراء القروض العقارية للمساعدة في تطوير أسواق محلية للسندات والصكوك على غرار شركة فاني ماي الأمريكية، حيث تقوم بتوريق القروض في صورة أوراق معززة برهون عقارية وتبيعها إلى المستثمرين.
وقد يخفي تسنيد الأصول أوجه ضعف مهمة كما حدث خلال الأزمة المالية العالمية حيث ساعد تعدد إعادة تجميع الأصول وتعقد الأصول المحولة إلى سندات على إخفاء المخاطر التي بقيت ترتبط بأداء الأصل الأساسي؛ كما أسهمت ظاهرة "الهرولة لتسنيد الأصول" في تدهور معايير الإقراض والضمان التي تسببت في نشوء أزمة الرهن العقاري ومن بعدها الأزمة المالية داخل الولايات الأمريكية وخارجهاً. وتتميز شركات إعادة التمويل بأنها لا تتعامل مع المقترضين الأوليين مباشرة بل مع شركات التمويل والوسطاء العقاريين فقط. وهنا تبرز أهمية وضرورة إيجاد تبادل متوازن بين التدفق النقدي للتمويل والتسديد. أما بالنسبة إلى الرقابة فإن إسناد مسؤولية الإشراف على قطاع التمويل العقاري والتمويل غير المصرفي إلى مؤسسة النقد العربي السعودي أمر مرغوب بغرض وضع الضوابط المهنية اللازمة لممارسة نشاط التمويل العقاري في المملكة، إلا أن هذه الضوابط المقترحة هي إجراءآت تنظيمية وليست رقابية إذ تحتاج إلى وضع أسس عملية تسمح بالتدقيق في منح القروض وتطبيق إجراءآت تنفيذ عقود التمويل بكفاءة وفاعلية. ونشير في سياق تأكيد أهمية دقة الرقابة وكفاءة التنفيذ إلى مقاربة مع نظام المرور في المملكة الصادر عام 2007 والذي يعتبر من أفضل أنظمة المرور وأكملها في العالم. فقد غطت اللائحة التنفيذية أدق الأمور المتعلقة بسلامة السائقين والعربات والمارة على حد سواء. ويبقى التساؤل حول ما تعنيه الإحصاءات الرسمية بالنسبة إلى نتائج تطبيق هذا النظام إذا ما علمنا أن المملكة سجلت أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق على المستويين العربي والعالمي، حيث وصل عدد الوفيات إلى 49 وفاة لكل 100 ألف من السكان، حسبما جاء في تقرير رسمي؛ وإن 85 في المائة من حوادث السير في المملكة تعود إلى أخطاء بشرية من قبل السائق نتيجة لارتكابه إحدى المخالفات المرورية. إن أسباب هذا الوضع المؤسف ثلاثة إما ضعف الرقابة المتمثل في عدد شرطة المرور بالنسبة إلى عدد السيارات وأطوال الشوارع التي تسير عليها خاصة في المدن الرئيسة، أوالتساهل في تطبيق النظام والمتمثل في تجاهل العديد من أفراد شرطة المرور لتصرف السائقين ومخالفتهم الأنظمة المرورية بشكل متعمد في الكثير من الحالات، نذكر منها على سبيل المثال الوقوف في الأماكن الممنوعة، أو مخالفة الإشارات المرورية، أوالتسيب في تطبيق وتنفيذ عقوبات المخالف والمتمثل في التساهل وعدم تطبيق عقوبة المخالفات في الكثير من الحالات، أو كلها مجتمعة تؤدي بالعديد من السائقين إلى الاستخفاف بقواعد وأنظمة المرور وكأن ذلك هو القاعدة. إن نجاح منظومة التمويل العقاري كما هي الحال بالنسبة إلى نظام المرور يرتبط بمدى فعالية آلية تطبيق القانون وتفادي نتائج ضعف ذلك التطبيق مما أدى إلى كوارث تظهرها الإحصائيات. إن إسناد الدولة مسؤولية الإشراف على قطاع التمويل العقاري إلى مؤسسة النقد العربي السعودي خطوة مهمة في الطريق الصحيح، إلا أن وضع الضوابط المهنية اللازمة وتنفيذها بالشكل المناسب والفعال هو العامل الرئيس الذي يحقق الأهداف المنشودة منه، ولا يتسبب في حدوث مشكلات اقتصادية وتنموية لا تحمد عقباها.

باحث اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي