Author

عدالة «القيمة العادلة» والبيئة المحلية

|
''القيمة العادلة'' هي إحدى طرق القياس الرئيسة في المحاسبة المالية، ويقابلها مثلا القياس بالتكلفة التاريخية والحالية وغيرها من أساليب القياس المتعددة. واتجهت معايير المحاسبة الدولية أخيرا نحو المطالبة والتوصية بمزيد من تطبيقات ''القيمة العادلة'' في التقارير المالية. تعتمد ''القيمة العادلة'' على القيمة السوقية للأصل، وبموجب المعايير الدولية هناك عديد من الاشتراطات لاختيار أو تقدير القيمة السوقية المناسبة، وهذا في الحقيقة موطن لكثير من الانتقادات. من هذه الانتقادات ما يدّعي أن طريقة ''القيمة العادلة'' تصلح في حالاتٍ معينة محددة (كالأصول المالية المتداولة) ويجب ألا يتوسع في استخدامها محاسبيا. ومن المآخذ كذلك ما يُذكر من أن تقييم الأصول بالقيمة السوقية لا يناسب كل مستخدمٍ للتقارير المالية، فمن يريد الاستثمار في مصنع مثلا سيبحث عن قيمة أصوله تشغيليا بمعرفة مقدار ما تعطيه من منتجات وما تعيد له من فائدة، بينما قد تكون قيمة البيع اللاحق عنده أقل أهمية. بالغت بعض الانتقادات في اتهام محاسبة ''القيمة العادلة'' حتى ذكرت أنها أحد أهم أسباب الأزمة المالية العالمية الأخيرة! في الحقيقة إن أكبر المخاوف الموجودة تتعلق بانتقال فوضى الأسواق إلى التقارير المالية. وذلك لأن محاسبة ''القيمة العادلة'' تعني عكس قيمة الأصل السوقية في السجلات بطريقة أكثر مباشرة. ما يعني - في نظرهم - مزيدا من التعقيد والتداخل بين البيانات المالية تبعا لحركة السوق واضطراباتها. وبالتالي، مزيد من الصعوبات لممارس المحاسبة والمحلل المالي، وبالتأكيد لمستخدم المعلومة المحاسبية وصانع القرار. تتطور الممارسات التجارية والمالية فتزداد تعقيدا، ثم تأتي المحاسبة المالية بمعاييرها المتجددة فتحاول مواكبة هذه التغييرات السريعة، كي تصبح المعلومة التي تقدم لمستخدم التقارير المالية ذات قيمة إيجابية لقراره. حاليا، يقود مجلس معايير المحاسبة الدولية جهود المقاربة بين الأنظمة المحاسبية المختلفة بهدف توحيد لغة التقارير المالية عالميا، وبالتالي تسهيل التبادل التجاري وتذليل عقبات الاستثمار بين الدول. ومع ذلك، لا تزال التقارير المالية تُوصف بالجفاف والتعقيد أحيانا. وعلى الرغم من أن معايير العرض والإفصاح للتقارير المالية مدروسة بعناية، إلا أن الجدل قد يتزايد حول ما ''يَظهر'' في هذه التقارير، كالألفاظ الجديدة، ويتجاهل ''الجوهر'' الأهم، كإمكانية تطبيق هذه الإجراءات في البيئة المحلية. وهذا تماما ما يحصل في محاسبة ''القيمة العادلة''. يتكرر مثلا مصطلح ''القيمة العادلة'' في التقارير المالية للمصارف المحلية، وذلك لأن هذه التقارير تُعدّ بناء على المعايير الدولية، إلى جانب مجموعة أخرى من المعايير والأنظمة، التي تتطلب قياس بعض الأصول والالتزامات بطريقة ''القيمة العادلة''. يشير بعض من ينتقد هذه الطريقة إلى أنها ليست ''عادلة'' كما تسمى. وفي الحقيقة تبدو كلمة ''عادلة'' وكأنها نوع من الحُكم المسبق على أثر هذا الأسلوب من القياس المحاسبي. لكن، يصعب اتهام المحاسبة المالية بأنها تستبق الحكم أو تبطن الإيحاء، وذلك لأنها تهتم كثيرا بنزاهة وحياد العرض والإفصاح. إن إطلاق لفظ ''العادلة'' لم يبدأ أصلا إلا عن اعتقاد سابق بأن هذه الطريقة فعلا ''عادلة''. لكن مربط الفرس ليس بالغوص في تاريخ الاستخدام أو التأثر بالمعنى اللفظي على حساب الدور الفني المعاصر لهذا التطبيق، إنما في استيعاب طريقة احتسابه الفعلية وإمكانية تطبيقه ودراسة أثره في القرارات الذي سيتخذها مستخدم المعلومة المحاسبية. حتى الآن، أخذت ''القيمة العادلة'' كطريقة من طرق القياس المحاسبي حصة وافرة من الجدل والنقاش والطرح على مختلف الأصعدة المهنية والأكاديمية والإعلامية. لكن، ماذا يخصنا في بيئتنا المحلية من كل هذا؟ يجب أولا إدراك طبيعة النقاش الدائر عالميا والتفاعل معه إن لزمنا الأمر، وهذا متحقق بحضور الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين في تداولات مجلس معايير المحاسبة الدولية. ويجب كذلك أن ينقل المختصون بالمحاسبة هذه المفاهيم إلى البيئة المحلية بطريقة تساعد مستخدمي التقارير المالية وتمكنهم من إدراك الأثر المحتمل لهذه التغييرات. سواء كان هذا النقل عن طريق القنوات الإعلامية أو المهنية والتعليمية المختلفة. إضافة إلى ذلك، لا بد من تجاوز هالة اللفظ إلى عمق التطبيق، ومحاولة تفهم موانع أو لوازم تطبيق ''القيمة العادلة'' في البيئة المحلية. وهذا يستوجب النظر في الملامح المميزة لأسلوب القياس هذا، كسمات السوق ومستوى الشفافية والوعي المالي وطبيعة الأعمال التي ستتأثر أولا. الفهم الجيد لهذا المتطلب الجديد مع إدراك طبيعة وخصوصية البيئة المحلية سيجعل قرارات المواءمة والتعديل أكثر منطقية وملاءمة، سواء للممارس أو المستفيد من المعلومة المحاسبية.
إنشرها