Author

هل البيع المسبق حرام؟

|
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد
يُسأل أحياناً عن الحكم الشرعي للتعامل بالبيع المسبق (أو ما يعرف بالبيع شورت short sell)، وهو من الأساليب المالية الحديثة المستخدمة في عدد من البورصات الدولية لتحقيق توازن الأسعار ودعم استراتيجيات المتعاملين بالشكل الذي يحقق رغباتهم. وسأقوم هنا بشرح طريقة عمل البيع المسبق وأدعو المختصين الشرعيين ممن حرمها إلى إعادة النظر في ذلك. وقد أوردت صفحات عدة في كتاب ''المال والاستثمار في الأسواق المالية'' (المتوافر مجاناً على الإنترنت) لشرح آلية عمل هذه الطريقة، التي أوجزها هنا بالقول إنها طريقة يقوم الشخص فيها ببيع أسهم في الحاضر وشرائها في المستقبل. لذا فيمكن أن نسميها طريقة الشراء الآجل، نظراً لأن عملية الشراء تأتي في وقت لاحق، أو أن نسميها طريقة البيع المسبق، نظراً لكون عملية البيع تسبق عملية الشراء. وقبل شرح الآلية الداخلية لهذه الطريقة أشير إلى أن فوائد البيع المسبق تشمل ما يلي: • يستطيع المستثمر أو المضارب الاستفادة من الانخفاض المحتمل لسهم قد أفرط الآخرون في شرائه. بمعنى أن المضارب يعتقد أن السعر الحالي لسهم لا يملكه غير مبرر، ويعتقد بأنه هابط لا محالة، فيقوم ببيعه حالاً وشرائه عندما ينخفض مستقبلاً. • يساعد البيع المسبق على بقاء الأسعار في وضع طبيعي ومعقول لكونه يمنع ارتفاع أسعار الأسهم أو انخفاضها بشكل مبالغ به. من الأخطاء الشائعة عن البيع المسبق هي أنه يعتبر طريقة للتلاعب بالأسعار، وهذا غير صحيح، بل إنه يساعد على منع التلاعب بالأسعار، وهناك من يخلط بين البيع المسبق التقليدي بالبيع المسبق المكشوف، وهذا الأخير ليس موضوع مقالنا هذا. أما من النواحي الشرعية فهناك من حرم البيع المسبق باجتهادات فردية أو جماعية استناداً إلى ما يلي: • قول حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ''لا تبع ما ليس عندك''. • البيع المسبق يتطلب التعامل بالربا لكونه يتم عن طريق حساب مفتوح الاقتراض به (حساب المارجن). • البيع المسبق فيه مضاربة والمضاربة حرام. سنرى بعد شرح آلية البيع المسبق أن الحديث الشريف لا ينطبق على البيع المسبق، (الذي كما ذكرنا يمكن أن يطلق عليه الشراء الآجل)، وأن البيع المسبق ليس له علاقة بالربا، ولا الفوائد الربوية. أما بالنسبة لمن يحرم المضاربة فتحريمه هذا غير صحيح، لأن المضاربة معروفة شرعاً ومباحة ويمكن الاطلاع على طرق المضاربة المختلفة عن طريق صفحات الفتاوى الاقتصادية في موقع الإسلام على الإنترنت. إن المتعاملين في الأسهم يقومون بالاحتفاظ بأسهمهم لدى الوسيط، ولا يطلبونها عادة كشهادات ورقية، وذلك كي يتمكنوا من بيعها بيسر وسهولة عند الحاجة، لذا فإن الذي يحصل غالباً هو أن يتوافر لدى الوسيط عدد كبير من أسهم الشركات لعدد من الزبائن، وعندما يحتاج أحد الزبائن إلى الدخول في عملية بيع مسبق، فإن الوسيط يقوم بإقراضه العدد المطلوب من الأسهم المتوافرة لدى الوسيط على أن يلتزم الزبون بإعادة الأسهم عند حاجة المالك الأصلي إليها. على سبيل المثال لو كان لدى الوسيط أكثر من مليون سهم لشركة ما، وأراد شخص بيع ألف سهم بشكل مسبق، فإن الوسيط يقوم بمنحه ألف سهم من المليون المتوافرة لديه، التي هي في الواقع ملك للزبائن الآخرين، ويقوم الزبون ببيعها فوراً وإيداع قيمة البيع في حسابه. وطالما بقي لدى الوسيط عدد من الأسهم يكفي لتغطية حاجة مالكي تلك الأسهم اليومية فليس هناك داع لقيام الزبون الذي باع مسبقاً بإعادة الأسهم للوسيط. هنا يجب ملاحظة النقاط الرئيسة التالية: • إن أسهم الشركة الواحدة مطابقة لبعضها بعضا، أي أن ألف سهم من شركة معينة لدى شخص لا تختلف عن ألف سهم لدى شخص آخر من الشركة ذاتها، فيمكن استبدال ما لدى شخص من أسهم بأسهم شخص آخر دون وقوع ضرر على أي من الشخصين. هذا يختلف عن السلع الأخرى كالأراضي والمباني والمنتجات الأخرى فتكون الملكية فيها مرتبطة بالسلعة ذاتها ولا يمكن استبدال واحدة بأخرى بشكل مطابق. وربما ينطبق الحديث الشريف على هذه الحالات، لكن ليس على الأسهم. • لا يستطيع الشخص بيع أسهم بشكل مسبق دون توافر الغطاء النقدي الكامل لها، لذا فهو لا يستطيع في الواقع بيع ما لا يملك، بل عليه الاحتفاظ بقيمة الأسهم المراد بيعها في حسابه، ولا يستطيع التصرف في قيمتها حتى يتم شراء الأسهم في وقت لاحق. ومن ليس لديه مبلغ من المال يغطي قيمة البيع المسبق فليس باستطاعته، ولا هو مسموح له البيع المسبق، لذا فلا يستطيع الشخص بيع ما لا يملك. • عندما يقوم شخص ببيع أسهم بشكل مسبق فمعروف تماماً أنه يستطيع أن يعيد الأسهم لمالكها الأصلي خلال ثوان معدودة، أولاً لوجود المال الكافي لديه وثانياً لتوافر الأسهم في السوق. • لا يوجد ضرر على من بيعت أسهمه مسبقاً طالما أن الأسهم في واقع الأمر متاحة له وموجودة بالعد والكمال. وبما أن المقصود من قول المصطفى - عليه الصلاة والسلام ''لا تبع ما لا تملك'' هو لتجنب إيقاع الضرر على من تباع أملاكه فهو لا ينطبق في هذه الحالة. • إن قيمة البيع المسبق الداخلة في حساب الشخص والناتجة عن عملية البيع ليست قرضاً من الوسيط، بل هي مبلغ من المال ملك للزبون، ورغم أن البيع المسبق يتطلب غالباً فتح حساب اقتراض إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة قيام الشخص بالاقتراض طالما احتفظ لديه بمبلغ كاف لتغطية الأسهم المباعة مسبقاً في جميع الأوقات. أخيراً تجدر الإشارة إلى أن البيع المسبق جزء لا يتجزأ من الكثير من العمليات المالية، وبالذات إذا كان الشخص يعمل كصانع سوق فإنه مضطر أحياناً للدخول في عمليات البيع المسبق لتلبية طلبات الشراء الواردة من العملاء. كما أن من يتعامل في سوق تبادل العملات (الفوركس) مضطر للبيع مسبقاً، نظراً لطبيعة عمل تلك الأسواق، وكذلك الحال في سوق السلع الآجلة وغيرها. لذا فقد يكون من المناسب معرفة كيفية عمل البيع المسبق وإعادة النظر فيما إذا كانت العملية تعتبر بيع ما لا يملك أم لا.
إنشرها