FINANCIAL TIMES

على هولاند ابتلاع الكبرياء الفرنسي والتعلم من كاميرون

على هولاند ابتلاع الكبرياء الفرنسي والتعلم من كاميرون

فرانسوا هولاند على شفا منعطفٍ مهم. فشهر عسل الرئيس الفرنسي الذي يلي الانتخابات على وشك الانتهاء مع شمس هذا الصيف. لقد عاد من إجازته ليواجه عدداً من المواضيع الحاسمة، من اليمين واليسار. وحان الوقت لهولاند أن يحدد مساره. وفي هذا الخصوص عليه أن يتعلم شيئاً ما من رئيس وزراء بريطانيا، ديفيد كاميرون. لا أعتقد أن فكرة مثل هذه يمكن قبولها في قصر الإليزيه. فإذا ما وضعنا جانباً العلاقة الأليمة والعداوة التاريخية التي بين فرنسا وبريطانيا، هذا الرئيس ورئيس الوزراء ليسا صديقين حميمين تماماً. فقد رفض كاميرون لقاء هولاند خلال زيارته إلى لندن قبل الانتخابات. وعقّد الأمور أكثر بسخريات سخيفة حول فرش السجاد الأحمر للمواطنين الفرنسيين الأثرياء الهاربين من ارتفاع الضرائب التي فرضها هذا الاشتراكي. ربما يعيد رئيس الوزراء التفكير مرة أخرى الآن بعد أن نادى نائبه، نيك كليك، بفرض ضرائب على الثروة في بريطانيا. هذا يخبرنا بأن هناك تشابها بين القائدين. فكاميرون وصل إلى مقر رئاسة الوزراء في الغالب لأن بريطانيا كانت توّاقة للتخلص من جوردون براون وبياناته الدعائية. فحتى بعد 13 عاماً حكم العمال، فشل قائد المحافظين في اكتساب غالبية مطلقة. وهولاند، شديد التدقيق لكن الأقل من مستوى السياسي الملهم، فاز في الانتخابات بسبب عدم شعبية نيكولا ساركوزي. ولا يمكن اعتبار أي منهما من المُنظرين. فقد أضفى كاميرون لمعانا وحداثة على المحافظين ليجعلهم بديلاً مقبولاً للعمال. أما هولاند فقد انتهج طريقته في الحزب الاشتراكي، وهي ألا يخاطر بشدة في اتخاذ موقف ما. فبعد الأساليب الاستعراضية لمن سبقه، قدم نفسه للمصوتين على أنه رئيس "عادي". ولم يختلف منحى كاميرون عن ذلك كثيراً. والحكومة البريطانية حالياً في ورطة. فالاقتصاد متعثر وبرنامج تخفيض العجز الذي جعله كاميرون حجر الزاوية لبرنامجه ترك البلاد في حالة تقشف من دون هدف واضح. وكانت هناك معارك بين المحافظين وشركائهم الليبراليين الديمقراطيين. فالتحالف الذي بدأ باعتباره مسعى مشتركا أصبح الآن وكأنه اتفاقا بين فصيلين متمايزين. وتلقي الحكومة باللوم على الغيوم الاقتصادية في كل أنحاء أوروبا. فأزمة اليورو لم تكن عاملاً مساعداً بالتأكيد. والتحالف مع ذلك ارتدى سترة مالية ضيقة. وكان يجب أن تكون هناك خطة بديلة أمام احتمال انهزام خطة التقشف. وفي أي حدث فإن الشعور بالضيق أمر سياسي بقدر ما هو أمر اقتصادي. والأمر المفقود هو استراتيجية منظمة - أو يمكنك القول خريطة ما لمستقبل بريطانيا. فلا أحد يعرف بالتحديد ما الذي يتبناه كاميرون. ويمكن ألا تتعدى الإجابة كون الأمر مجموعة من الغرائز الغامضة نتيجة للتنشئة المنعمة في الوطن الأم في إنجلترا. مبادئ حزب المحافظين الشاملة "المجتمع الكبير" التي كان يعتنقها عندما كان معارضاً قام بالتخلص منها؛ والوعد بإصلاح قصير وحاد للأمور المالية العامة تصادم مع الحقائق الاقتصادية. ومن بين جميع المسؤولين يوصف كاميرون عادة بأنه حاد وسطحي - قائد يفتقد الفضول الفكري. وبعض من أفراد حزبه يرددون هذا النقد. فقبل أيام سأل أحد الوزراء السابقين من المحافظين، بصوت عال، ما إذا كان كاميرون "رجلاً أم فأراً"؟ ربما يكون غير عادل، لكنه ضرب على وتر حساس. وباستطاعة المصوتين استشعار غياب السيطرة. فالجلوس على مقعد السلطة - حتى مع وجود حد معين من المهارة - ليس أمراً كافياً. لذلك كانت النتيجة شللاً سياسياً وتحولاً مهيناً في السياسة. وحتى الآن ساير البلد تقريباً ارتفاع الضرائب، وتقليص الإنفاق، ومستويات المعيشة المتدهورة. لكن الصبر بدأ في النفاد. وهنا يكمن الدرس لهولاند. فقبل الانتخابات وعد بتسوية العديد من المشاكل. وكان يمكن أن يكون لدى فرنسا ضرائب أعلى ونمواً أعلى، ورفاهية اجتماعية أكثر، وعجزاً أقل في الميزانية، وحماية متزايدة للعاملين، وقدرة تنافسية أكبر في السوق العالمية. كانت الوعود دائما مبالغا فيها، لكن قد يتوقع منه المصوتون أن يكون له على الأقل خطة ما. ومثله مثل كاميرون يفتقد هولاند إلى الحسم ولديه قلة خبرة بالحكم، وبهذه المواصفات يجلب إلى نفسه الانتقاد. وقارن مراقبون غير منصفين بينه وبين هنري كويلي. وكان كويلي، رئيس الوزراء لثلاث مرات في الجمهورية الفرنسية الرابعة، معروفاً بأنه غير فعال. وقد اشتهر بقوله، إن الأمور لم يكن لها أن تحل بتركها دون تدخل فيها. هذا الحكم يعتبر قاسياً بشكل مبالغ فيه. فلم يمر سوى وقت قصير على وصوله إلى الإليزيه. لكن ما يقوله أصدقائي الفرنسيون ينم عن قلق عام. فهل ذهبت فرنسا، كي تتخلص من الهوس الذي صنعه ساركوزي، في الاتجاه الآخر أبعد من اللازم؟ وتتطلب الظروف الحالية رجلا استراتيجيا، لكن هولاند - مثله مثل كاميرون - يميل لكونه خبيراً تكتيكياً. وتواجه فرنسا تحديان وجوديان تقريبا؛ الأول هو العثور على أنموذج اقتصادي يجعلها تستعيد على الفور قدرتها التنافسية واحترامها لتماسكها الاجتماعي. والتحدي الثاني هو التوصل إلى تفهم حول التكامل السياسي الأوروبي الأعمق - التخلي عن رؤية ديجول حول أوطان أوروبا – الذي يقتضيه أي حل جدي لأزمة اليورو. لكن الأمر الأصعب هو أن على فرنسا التأقلم مع الريادة الألمانية في أوروبا. في مرحلة مختلفة من التاريخ كان يمكن لنهج كاميرون القائم أخذ الأشياء على ما هي عليه في رئاسة الوزراء، أن يتم تصويره على أنه يشق طريقه بنجاح. لكن بدلاً من ذلك، بتفكيرها خارج منطقة اليورو، تواجه بريطانيا اختبارات سياسية واقتصادية شبيهة بتلك التي تواجهها فرنسا. فلعقدٍ من الزمان ظلت البلاد تسير بالقروض الميسرة وصناعة الخدمات المالية المزدهرة. وقد مارست اللعبة باعتبارها جزءا من أوروبا وفي الوقت ذاته الوقوف بمنأى عنها. ولقد ولت تلك الأيام. هذه أوقاتٌ استثنائية لكل من فرنسا وبريطانيا على سواء. إنهما في حاجة إلى هدف ونشاط من قائدٍ سياسي. وهولاند اكتشف بالفعل أن كونه "عادياً" ليس أمراً كافياً. وإذا كانت لديه أي شكوك حيال هذا الأمر فما عليه إلا أن يلقي نظرة عبر القنال الإنجليزية على المشاكل التي يقع فيها كاميرون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES