حوارات تسامح أم حوارات أديان ومذاهب؟

تسود أجواء من القلق في نفوس مواطني دول مجلس التعاون ترتقي أحيانا إلى مستوى الخوف مما يسمى بالفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، وخصوصا أن إيران تنفخ على نارها بأكثر من وسيلة منذ أكثر من 30 عاما تقريبا بدعوى مظلومية الطائفة الشيعية وضرورة دعمها في المنطقة لتحقيق مآربها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وكذلك وجود مؤشرات لتدخل دول غربية ذات مصالح سياسية واقتصادية لإذكاء هذه الفتنة ومن تلك المصالح حماية الكيان الصهيوني بتحويله للعدو رقم اثنين في أذهان السنة والشيعة بعد أن يكون كل منهما العدو رقم واحد للآخر، وأخيرا رغبة بعض أبناء المنطقة ومن كل المستويات في امتطاء هذه الفتنة لتعزيز مكانتهم وتحقيق مصالحهم.
المخيف في موضوع الفتنة الطائفية هذه أنها إذا ما تحولت من تراشق بالألسن والحروف والكلمات كما هو الحال في وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب) إلى صراع مادي على أرض الواقع يخسر الجميع خسارة بالغة والأوطان في المحصلة، وتتكون جروح غائرة تحتاج إلى عقود ولربما لعقد من الزمان لمعالجتها، وما نتائج الصراع الطائفي في لبنان عنا ببعيد والذي استمر لأكثر من 17 عاما دون نصر لأي طائفة على أخرى، فالجميع خاسر والوطن ممزق، وما زالت الأنفس تغلي والسلطة المركزية ضعيفة حتى بتنا نسمع عن الجناح العسكري للعائلات (عائلة المقداد نموذجا) بعد أن أصبح الجناح العسكري للأحزاب قضية مسلمة.
وإذا كان التعصب الديني أو المذهبي حيث الانتصار للدين أو المذهب وفكره ورموزه وأقوالهم بشكل متطرف والتقليل من المذهب الآخر وفكره ورموزه والطعن بأقوالهم في كل مكان أو وسيلة أو موقف بمنطق ودون منطق، يقود إلى أشد أنواع الفتنة في المجتمع إذ قد يتحول المجتمع إلى شيع يذيق الله بعضها بأس بعض فإن التسامح الديني أو المذهبي يقود إلى أفضل أنواع التعايش السلمي مع الآخرين حيث التسامح يعني قبل كل شيء اتخاذ موقف إيجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية بما في ذلك حرية المعتقد (لا إكراه في الدين)، ( لكم دينكم ولي ديني)، والاستعداد للسماح للآخر بالتعبير عن الأفكار والمصالح التي تتعارض مع أفكارنا ومصالحنا، والاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير والصفات الإنسانية المختلفة.
التسامح قيمة أقرها الدين الإسلامي ومارسها كمفهوم الرسول ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ والصحابة من بعده والتابعين عبر العصور. ولقد ضرب المسلمون الذين وعوا الإسلام وعيا صحيا وخضعوا لتعاليمه وانتصروا على أنفسهم ومصالحهم، أروع صور التسامح الديني التي أذهلت الآخر وأخجلته، وكلنا يعلم قصة اليهودي جار الرسول ـــ صلى الله عليه وسلم، وقصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـــ رضي الله عنه ـــ عندما رفض أن يصلي في الكنيسة عند فتح القدس، والقصص كثيرة ولا مجال لذكرها في هذه المقالة المحدودة الكلمات.
السؤال الذي يطلقه الكثير في هذه الظروف كيف لنا أن نواجه التعصب بالتسامح، كيف لنا أن نواجه مخططات ومصالح دول وأفراد تذكي نار الفتنة الطائفية بتعزيز التعصب من خلال جميع الأدوات المتاحة رغم أن هذه الدول مثل إيران تمارس أقسى أنواع الإقصاء للآخر خصوصا الأقليات التي حرمتها حقوقها.
أعتقد أن ما ينادي ويدعو له خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من حوارات للأديان، إضافة إلى تأسيسه ودعمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، يمكن أن يشكل قاعدة كبيرة للانطلاق في الحد من التعصب وآثاره، ونشر وإشاعة قيمة ومفاهيم التسامح في بلادنا خصوصا، وفي دول مجلس التعاون عموما، بالتعاون مع أمانة مجلس التعاون، حيث العمل المشترك بين القيادات السنية والشيعية في المنطقة للوصول لفهم وتفهم مشترك للوصول لحالة من التعايش في إطار المشترك الإنساني والوطني وتعزيز اللحمة الوطنية بما يجعلها عصية على الاختراق الخارجي مهما كانت أدواته وقوته. وأكاد أجزم أن أكثر من 90 في المائة من كلتي الطائفتين يريدان ذلك وأن القلة القليلة من ذات الأهواء والمصالح هي التي تعارض التسامح، ولو حققنا التسامح لفصلنا هؤلاء عن القواعد العريضة ما يجعلهم عناصر غير فاعلة لا تلبث أن تخمد شيئا فشيئا بمرور الزمن.
من أنتم الاستنكارية؟ ومن تريدون الاستكثارية؟ أسئلة لم تعد صالحة لمن يريد مجتمعا متماسكا ومستقراً، ونحن نتسامح وهم متعصبون، ونحن نصمت وهم يتكلمون، ونحن نحترم مقدساتهم ورموزهم وهم لا يفعلون عبارات لا تصلح كمبررات للتعصب والطعن في الآخر وعدم قبول رأيه واحترامه وتعميم مواقف أقليته المتعصبة ذات الأجندات الخفية على بقية الطائفة التي لا ناقة لها ولا جمل وتضطر للاصطفاف مع ناشطيها نتيجة لتحميلها أوزارهم دون ذنب، نعم لا تصلح لأن محصلتها الفرقة والشتات وإحداث الفجوة الوطنية التي ينفذ منها العدو لتحقيق مآربه بسهولة ويسر.
ختاما: أتطلع إلى حوارات تسامح تدعو الجميع للتعايش السلمي في إطار الوطنية والإنسانية والمشترك التنموي فكلنا نريد وظائف وخدمات وبنى تحتية وتعليم وعلاج وأنشطة اقتصادية لننعم في العيش الكريم الآمن في وطن مستقر يحقق قفزات تنموية مستمرة في جميع المجالات، والأمل كبير في مركز الحوار الوطني وعقلاء الطائفتين في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين وقراراته التي تدعو للحوار كسبيل أمثل للتصدي للقضايا وحل المشاكل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي