حوار المذاهب وتجريم الطائفية
خلال أقل من 24 ساعة أسّست السعودية مجمعاً فقهياً للتصدي للفتاوى الشاذة والاجتهادات الفردية، واقترحت، على لسان خادم الحرمين الشريفين في افتتاح القمة الإسلامية الاستثنائية، إنشاء مركز للحوار بين المذاهب، خطوتان مهمتان خطتهما السعودية نحو تأصيل التسامح ونبذ الفرقة والبُعد عن المذهبية والطائفية التي تنهش في الجسد الإسلامي، وأيضا تؤثر سلباً، مع الأسف، في الجسد السعودي. لا جدال أن الخلاف العقدي بين المذاهب الإسلامية هو أمر واقع، وإذابته، أو حتى التقليل منه، شبه مستحيل، وما أفرزته خلافات يزيد عمرها على 1400 عام لن تنتهي أبد الآبدين، بل ربما ليس مطلوباً لها أن تنتهي، ما ينتظره المسلمون هو الاحترام المتبادل بين المذاهب والوصول إلى كلمة سواء، وعدم استخدام الخلافات العقدية للتكفير أو إقصاء الآخر فقط لأنه لا ينتمي للمذهب نفسه. مع التأكيد على أن الحوار بين المذاهب ليس شرطاً أن يكون للتقريب بينها، فهذا أمر لن يحدث ولو استمرت الحوارات مئات السنين. كتبت هنا قبل 141 يوماً مقالا بعنوان ''هل في السعودية طائفية وعنصرية؟''، ذكرت فيه أنه على الرغم من تحذير ملك البلاد من هذه الآفة الخطيرة في افتتاح مجلس الشورى في نيسان (أبريل) 2007، واعتباره أنها تشكل تهديدا للوحدة الوطنية، ومطالبته بأن تكون القضية في صدارة اهتمام مجلس الشورى، إلا أن مجلسنا الشوري لا يزال غائبا عن التطرق لهذا الموضوع تلميحاً أو تصريحاً، لذا من الضروري إقرار قانون يجرم الطائفية ليكون سياجاً يحمي الوحدة الوطنية للسعوديين بجميع مشاربهم ومذاهبهم، ومثل هذا القانون نحتاج إليه حتى قبل البدء بمركز الحوار بين المذاهب. ففي ظل غياب قانون صارم يجرم الطائفية أياً كانت، سنسمح للمتطرفين بالاستمرار في صب النار على الخلافات المذهبية، وتوفير الوقود لها حتى تظل متأججة، وهذا ما يفعله البعض إما عمداً أو جهلاً، وفي كلتا الحالتين فإنه يقوم بذلك دون أي رادع قانوني. وحتى ينتج الحوار بين أصحاب المذاهب مبتغاه، لا مفر من إبعاد القضايا السياسية عن الحوار، فهناك من هم بارعون في خلط السياسي بالديني وتحت شعارات عدة. وأيضا لا يمكن أن نبدأ بحوار بين المذاهب دون التوقف عن استخدام عبارات وكلمات مستفزة للطرف الآخر، كتسمية بعض أهل السنة للشيعة بـ ''الرافضة''، وتسمية بعض أهل الشيعة للسنة بـ ''الناصبة''، والابتعاد عن الموضوعات الحسّاسة مثل الإساءة إلى الصحابة، وغيرها من القضايا الحسّاسة التي يعمد إليها البعض ويصر على إقحامها بمناسبة ودون مناسبة، ليس حباً في علي ولكن كرهاً في معاوية. إذا كان الله قد أمر المسلمين بالحوار والجدال مع أهل الكتاب، فمن الأولى أن يتحاوروا مع أصحاب المذاهب الإسلامية التي لا ينتمون إليها. خادم الحرمين الشريفين ــ وكعادته ــ يصر على السمو على القضايا الهامشية ويذهب بعيداً للبحث عن مصلحة أمته قبل أي شيء آخر، الدور الآن على الآخرين للتفاعل قولاً وفعلاً مع هذه المبادرة التي انتظرناها من زمن، وآن الأوان أن نجني مكاسبها كمسلمين وكسعوديين أيضاً.