التربية تعزز أو تهدم الثقة بالنفس

قد لا يصدق من يقرأ هذا المقال أن بعض طلاب الجامعة يفتقدون الثقة للحديث أمام زملائهم، لكن هذه الحقيقة المرة التي لاحظتها ولاحظها الكثير من الزملاء على بعض الطلاب، وما من شك أن السبب مرتبط بصورة لا تقبل الجدل بالتربية التي اعتادوها سواء في المنزل مع الوالدين والإخوة، والأخوات، أو في المدرسة مع المعلمين والزملاء.
خلال مشواري في التعليم الجامعي لاحظت أن بعض الطلاب يلتزمون بالجلوس في مكان محدد، وعلى كرسي واحد لا يغيره إلا لو قدر وسبقه إليه زميل آخر حتى إن الوضع يسير بصورة رتيبة قاتلة لا يمكن تصورها، قاتلة للذهن وللنفس، وفي محاولة لكسر هذا الجمود اضطررت إلى أن أدخل بعض الأنشطة التي تخرج الفرد من أعماق ذاته وتجعله مندمجاً ومتفاعلاً مع الآخرين، حيث أشكل منهم خلال المحاضرة مجموعات تجلس بشكل دائري بدلا من الجلوس بطريقة الصفوف، كما أكلفهم بأنشطة جماعية تستوجب الحديث بين الطلاب والمشاركة من قبل كل فرد، حيث لا بد أن يكون هناك دور لكل فرد في النشاط. كما أطلب منهم الجلوس في مكان الأستاذ والحديث إلى الزملاء في موضوع ذي علاقة بالمادة الدراسية حتى تمكنت من كسر حالة الخجل التي ألاحظها على الطلاب أو بعضهم.
ترك الطالب وحده وعدم الاهتمام به حتى يصل إلى الجامعة لتتغير شخصيته أو ليكتسب مهارات التواصل مع الآخرين والتعبير عن الذات بما فيها من مشاعر وأحاسيس، وبما يفكر فيه ليس بالأمر المناسب لا للفرد ولا للمجتمع على حد سواء، والذي يفترض أن يكون جميع أفراده على مستوى من الثقة بالنفس، وبما يؤهلهم ليكونوا أفراداً ناجحين في مجتمعهم بدلاً من أن يكون الخجل وافتقاد الثقة حائلاً دون ذلك.
مراحل التعليم العام، التي تتشكل خلالها شخصية الفرد بدءاً من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، عليها مسؤولية كبيرة في تشكيل الشخصية من خلال خلق بيئة ومناخ اجتماعي يساعد على إكساب الفرد فرصة النمو السليم الذي يخلصه من الخجل أو التردد في المواقف التي تجمعه بالآخرين. الفصول الدراسية والطريقة التي يجلس بها الطلاب على هيئة صفوف تساعد على الانغلاق على الذات، لذا فإن طريقة الجلوس بطريقة المواجهة أو على شكل دائرة تكسر الروتين وتجعل الفرد يقع بصره على الآخرين، وهم كذلك، وهذا في حد ذاته يخلق لديه لبنات الثقة، خاصة أنه في البداية ربما لم يعتد على المخالطة للآخرين، لكن هذا الأسلوب قد لا يتحقق مع الزحام في الفصول الدراسية التي تعانيها مدارسنا. كما أن التحول في طريقة التدريس من تقديم المعلومة من قبل المعلم للطلاب بكاملها قد يكون إجراء آخر، حيث لا بد من إشراك الطلاب جميعاً، وليس فقط من يبادر منهم بإكمال المعلومة أو البحث عن معلومة جديدة، أو إعطاء مثال، فهذه كلها تفيد في خلق الثقة، إضافة إلى التفكير في أسلوب التعليم من خلال اللعب، وذلك بإيجاد أنشطة يكون فيها لكل طالب مكان ودور، وهذا في حد ذاته يكسب المعرفة بشكل أفضل، وفي الوقت نفسه يكسب مهارات وخصائص شخصية ربما يفتقدها الفرد لظروف التنشئة التي مر بها في المنزل.
إن طريقة تفاعل المعلم مع طلابه وطريقة حديثه وسلوكه ذات أثر واضح، فالشدة في التعامل قد تفقد الطلاب الميل والقرب من هذا المعلم، بينما التعامل باللين والتقرب من الطلاب توجد القبول من الطلاب للمعلم، وسرعة التعلم، بل الرغبة والشغف في العلم. ولعله من المناسب الإشارة إلى أن السنوات الأولى من عمر الفرد تشكل السنوات المهمة لتشكيل الشخصية والبناء النفسي إما المناسب أو المضطرب وغير المتزن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي