الأسعار.. الأسعار يا حكومتنا الرحيمة

الارتفاعات الهائلة في الأسعار التي رافقت الشهر الكريم ليس لها ما يبررها، وأحسب أن وزارة التجارة والصناعة في امتحان صعب، فبعد أن واجهت ارتفاع أسعار الأسمنت والحديد في الشهرين الماضيين تواجه اليوم ارتفاعات هائلة في جميع أسعار السلع والخدمات.
ولعل زيارة واحدة لأي مركز من المراكز التجارية كافية حتى نعرف نسبة الزيادة في الأسعار التي تجاوزت كل التقديرات الطبيعية.
أرجو رجاء حاراً من هيئة مكافحة الفساد ومن وزارة التجارة والصناعة ومن ديوان المراقبة العامة أن تتعاون، كل من ناحيتها ولا تتهاون مع التجار الذين تمادوا في زيادة الأسعار، بل أرجو من مجلس الشورى أن يطرح قضية الزيادات الجشعة في الأسعار في برامج مناقشاته ويعمل ما وسعه الجهد للحيلولة دون ترك حبل الأسعار على الغارب.
وبهذه المناسبة فإنني أطالب بتأسيس مؤشر مستقل لأسعار الواردات بغرض ضبط وقياس التضخم الخارجي حتى لا يتحجج بعض التجار بأن الزيادة في الأسعار هي زيادة وافدة إلى السوق السعودية وليست نابعة من السوق، ونعرف جميعاً أن المملكة ليست دولة صناعية وتستورد حاجاتها من الأسواق الخارجية بكميات كبيرة، لذلك فإن أي زيادة في أسعار السلع المستوردة ستظهر في أسواق المملكة، ولا شك أن مؤشر أسعار الواردات يصادر كل مبررات التجار التي يتحججون بها حينما يغالون في زيادة الأسعار.
من جهتنا نهيب بالتجار وأصحاب المحال المحترمين بأن يكون لهم دور إيجابي في الجهود الرامية إلى محاربة الغلاء، وقبل ذلك نهيب بكل مواطن من موقعه بألا يخرج عن السياق ويرفع الأسعار من دون مبرر اقتصادي أو موضوعي.
وإذا كنا نرجو من المواطن أن يقوم بدوره، فإننا نطالبه بأن يتجه إلى السلع البديلة، لأن الانتقال إلى السلع البديلة يساعد كثيراً على إرغام التجار الجشعين على العودة إلى جادة الطريق الصحيح.
إن التضخم يلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد الوطني، لأن الزيادة غير المبررة للأسعار ستؤدي إلى عرقلة عجلة النشاط الاقتصادي، أمّا الثبات على الأسعار الاقتصادية فهو كفيل بتحقيق زيادة في الناتج المحلى الإجمالي.
ولا شك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما أمر بتوظيف كوادر مراقبة الأسعار وإنزالهم إلى الأسواق إنما كان يشعر بأن الأسواق المحلية كغيرها من الأسواق ستتعرض لموجات من سونامي ارتفاعات الأسعار، وإذا تركت ارتفاعات الأسعار تغزو جيوب المواطنين فإنها ستؤثر سلباً في المميزات التي كان يتوخاها خادم الحرمين الشريفين من سياساته الهادفة إلى رفع مستوى معيشة المواطن.
ونحسب أن إنزال كل وسائل الردع لكل من تسول له نفسه الإضرار بالاقتصاد الوطني هو من أهم أسباب تأديب الجشع في بعض التجار الذين ينتهزون الفرص ويمارسون سياسة رفع الأسعار بغرض استغلال الأزمات لتحقيق أرباح انتهازية تلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد الوطني، لكن إذا كان الردع بالنشر مهما لمنع التجار من زيادة الأسعار، فإن الثناء بالنشر لكل التجار الذين قابلوا ارتفاعات الأسعار بتثبيت الأسعار وممارسة أقصى درجات النزاهة والشفافية أمر ضروري للغاية.
والمؤسف أن الغرب يبرر زيادة الأسعار في الأسواق العالمية بزيادة أسعار البترول رغم أن المملكة قامت في كل المناسبات بتغطية النقص وزيادة إنتاجها من البترول لتعويض السوق العالمية عن غياب جزء من البترول بسبب الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
ولا شك أن مبرر ارتفاع أسعار البترول لم يعد الآن مقبولاً في ظل الاستقرار الذي تشهده سوق البترول هذه الأيام.
إن اهتمام وزارة الداخلية بمسألة كبح جماح الأسعار يحمد لها، لكن وقف الزيادة في الأسعار يحتاج إلى برنامج محدد يُرسل لأمراء المناطق للتطبيق الفوري، أمّا مناشدة التجار التعاون مع الوزارة، فهذه المناشدة انتهى وقتها، وهي مرحلة غابرة تجاوزناها ولم تجد فتيلاً، لأن بعض السلع زادت أسعارها بما يتجاوز الـ 50 في المائة.
وإذا كنا نثنى على الجهود التي قامت بها وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة في إنزال العقوبات النظامية ببعض التجار، فإن المطلوب من الوزارتين أن يتعاونا معاً لإسماعنا المزيد من التشهير بكل من سوّلت له نفسه التلاعب بأقوات الناس، حتى لا يفلت المتلاعبون بالأسعار من سطوة التشهير الإعلامي والغرامات المالية.
والسؤال الآن: لماذا لم نقرأ في الصحف إعلاناً يندد بتاجر غالى في الأسعار رغم أن الإدانات ماثلة أمام الجميع على أرفف المتاجر والسوبرماركات؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي