مخاوف تركية من تحركات «الكردستاني» في شمال سورية

صمود الثورة السورية أمام آلة القتل الأسدية، وتحرير مناطق واسعة من شبيحة النظام، وانتقال الاشتباكات إلى قلب العاصمة السورية، واغتيال خلية الأزمة في مبنى الأمن القومي، وسيطرة الثوار على معابر حدودية، وتصاعد وتيرة الانشقاقات في صفوف الجيش السوري، وما إلى ذلك من التطورات السريعة دفعت الجميع للحديث عما بعد سقوط بشار الأسد.
ومن أبرز السيناريوهات التي يتم تداولها في وسائل الإعلام حول مستقبل سورية تقسيم البلد إلى ثلاث دويلات إثنية ومذهبية، وهي: دولة علوية على الساحل، وأخرى كردية في الشمال، ودولة سنية على باقي الأراضي السورية. وهذا السيناريو تعده الحكومة التركية كارثة على تركيا والمنطقة بأكملها، كما صرح بذلك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال في مؤتمر صحافي قبل مغادرته الخميس الماضي إلى لندن إن تقسيم سورية سيؤدي إلى صراع مسلَّح بين أتباع المذاهب المختلفة وظهور وضع أكثر صعوبة.
لم يكن أردوغان وحده من حذر من تقسيم سورية، بل سبق أن تحدث حول مخاطر هذا السيناريو أكثر من مسؤول تركي، كوزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذي أكد أن تركيا لن تسمح بتطبيق بشار الأسد "خطة ب"، في إشارة إلى محاولة إقامة دولة علوية بعد أن تأكد سقوط النظام، إلا أن ما زاد المخاوف التركية وضع النظام السوري عدة مناطق في شمال سورية في عهدة حزب العمال الكردستاني الذي قام منذ بداية الثورة بإخماد مظاهرات في المناطق الكردية واغتيال ناشطين مناهضين للأسد.
المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سورية مناطق متفرقة، والوضع الديموغرافي الحالي لا يساعد على إقامة دولة كردية، ولكن التقارير والخرائط التي تُنشر في وسائل الإعلام التركية تشير إلى احتمال التغيير الديموغرافي وتهجير غير الأكراد من السكان التركمان والعرب أو إخضاعهم تحت تهديد السلاح لقبول إقامة دولة كردية على الشريط الحدودي في الشمال تمتد من الحدود العراقية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. ويرى محللون أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني يسعى إلى توحيد الأكراد وتحقيق المصالحة بين حزب الاتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني، ويدعم جهود إقامة دولة كردية أو إقليم كردي على الأقل في شمال سورية في إطار محاولته لفتح منفذ بحري لدولة كردستان التي يحلم بها. ومن المتوقع أن يبحث وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع بارزاني خلال زيارته لأربيل هذا الأسبوع الوضع في شمال سورية وتحركات حزب العمال الكردستاني، وأن يحذره من مغبة مساعي تقسيم سورية.
حزب العمال الكردستاني الذي تحالف مع النظام السوري يستغل حاليا انشغال الثوار بحرب إسقاط النظام ليرفع أعلام الحزب في بعض المدن الكردية كخطوة استفزازية لتركيا، ولم تفوّت المعارضة التركية فرصة استغلال هذا الاستفزاز لتحريض الرأي العام التركي على حكومة أردوغان، مدَّعيةً بأن سياسة الحكومة الداعمة للثورة السورية هي التي أدَّت إلى الفراغ الأمني في شمال سورية.
الحقيقة أن جزءا كبيرا من هذه المخاوف لدى الرأي العام التركي مبالغ فيه، وعززته العقلية المؤامراتية التي تبثها منذ تفجر الاحتجاجات الشعبية أقلام ترى الربيع العربي من تدبير القوى الغربية للسيطرة على ثروات البلاد الإسلامية؛ لأن الأغلبية من أكراد سورية مع الثورة ولا تؤيد توجهات حزب العمال الكردستاني الانفصالية، بل هناك أكراد سوريون يطلبون دعما من تركيا لقتال النظام السوري، وأعلنوا استعدادهم لحملة على عناصر حزب العمال الكردستاني، كما جاء في تقرير وكالة الأنباء الفرنسية. وأما رفع أعلام حزب العمال الكردستاني في بعض المناطق الحدودية بشكل يمكن رؤيتها من الأراضي التركية فيهدف بالدرجة الأولى إلى استفزاز مشاعر الأتراك واستعراض قوة ستتلاشى مباشرة مع سقوط النظام وإعادة انتشار القوات السورية في جميع أنحاء البلاد.
التقارير تشير إلى أن النظام السوري سمح لحزب العمال الكردستاني بفتح ثلاث معسكرات للتدريب في القامشلي وإدلب وعين العرب، وأن بشار الأسد طلب من قادة الحزب أن يدخل عناصره من شمال العراق إلى سورية ووعدهم بتقديم دعم مالي. وقد يسعى حزب العمال الكردستاني من خلال هذا التحالف وتسهيلات النظام لتحويل شمال سورية إلى نقطة انطلاق جديدة، إضافةً إلى معسكراته في جبل قنديل بشمال العراق للقيام بهجمات في داخل الأراضي التركية، إلا أن الظروف الجغرافية ليست متشابهة، ومن السهل ملاحقة عناصر المنظمة الإرهابية في شمال سورية وضرب معسكراتهم بخلاف جبال شمال العراق الوعرة.
اليقظة مطلوبة لإزالة أي خطر محتمل قبل فوات الأوان، ولكن المبالغة في التخوف من وجود حزب العمال الكردستاني في شمال سورية في الظروف الراهنة لا مبرر لها، ويجب ألا يُعطى له وزن أكبر من حجمه، والطريقة المثلى لمعالجة هذه المشكلة هي دعم الثورة السورية لتسقط النظام المتحالف مع حزب العمال الكردستاني والإسهام في بناء نظام ديمقراطي يحصل الأكراد فيه على جميع حقوقهم ويعيشون على أراضي سورية الموحدة مع بقية مكونات الشعب السوري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي