قضايا اجتماعية
لدينا الكثير من القضايا الاجتماعية الشائكة المسكوت عنها، التي تحتاج إلى إعادة نظر من قِبَل المتخصصين والمعنيين بهذا الشأن. نحن لا نرى بأسًا في مناقشة أمور تمس حياة فئة من أفراد المجتمع، لهم الحق في معرفة ما لهم وما عليهم، كالحرية المطلقة الممنوحة للأب يتصرف في مصير بناته كيف يشاء وحسب مزاجه، وأحيانًا حسب مصلحته الدنيوية الخاصة. ولا ننفي على الإطلاق حق الوالد كرب للأسرة وكأب أن يكون مسؤولاً مسؤولية كاملة عن تربية الأولاد والبنات تربية دينية سليمة وحمايتهم من الضياع أو الانفلات. ومن واجبه أن يُعين أبناءه على اختيار الزوجة الصالحة لأولاده والزوج الصالح لبناته. لكن هناك حالات تستدعي التدخل في شؤون الأسرة، خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل البنات. فالذي يعضل ابنته ويحرمها من الزواج لأي سبب من الأسباب غير المقبولة يجب أن يستنصح وإذا لم يتجاوب انتشلت منه الولاية. والذي يتلاعب بمصير القاصرات من بناته، دون الخامسة عشر عامًا ويحاول تزويجها إلى كهل بلغ من العمر عتيًّا لا يُسمح له على الإطلاق بقوة القانون وسلطة ولي الأمر، مهما كانت مبرراته. فمن الذي يرضى أو حتى يستسيغ أن تنام طفلة في الحادية عشرة في بيت زوج تخطى الستين عامًا؟ وقد حصل. وهل يحق لنا أن نعامل بناتنا الضعيفات كما نعامل الخرفان، دون أي رحمة أو خوف من الله؟
الأمر الآخر قضية تعدد الزوجات، ونحن لسنا من حيث المبدأ ضدها، فقد شُرعت لحكمة. لكن الطريقة التي يمارس بها المجتمع التعدد، يظهر أن فيها شيئًا من الخلل. فعندما يُسمح لرجل كبير السن ومتزوج بالزواج من طفلة في سن أحفاده، فهذا أمر غير طبيعي وظلم فاحش للزوجة الجديدة. ودعونا نقرأ الآية الكريمة الوحيدة في القرآن ''سورة النساء'' التي ذُكِر فيها تعدد الزوجات ''وإنْ خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإنْ خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا''. ونحن لسنا خبراء لا بالتفسير ولا بمعاني اللغة العربية، لكن يظهر لنا، والله أعلم، أنَّ كلمة ''إنْ'' في أول الآية شرطية ويتطلب الوفاء بشرطها، وهي مرتبطة باليتامى. وهناك من العلماء منْ فسرها أنها تعني السماح بالزواج فقط من أمهات اليتامى، وهو أقرب للعقل. أما ما هو حاصل اليوم في معظم المجتمعات الإسلامية من الفوضى في التعدد، الذي في معظمه تلبية للرغبة الشخصية عند الرجل فعليه مآخذ. وهناك حالات اجتماعية خاصة تستدعي ضرورة التعدد للتخفيف من أعداد غير المتزوجات، لكن ذلك يكون بشروط أهمها تقارب العمر ورضا الزوجة الأولى.
أما الحالة الثالثة التي نود التحدث بصددها في هذه العجالة، فتحتاج إلى ضرب مثال بسيط من واقع حياتنا. تزوج شاب وشابَّة على سنة الله ورسوله، وتعاهدا بموجب عقد النكاح على أن يكون كل واحد منهما مخلصًا للآخر وشريكًا له في حياته. وبطبيعة الحال، كوَّنا أسرة تتكون من الزوج والزوجة والأبناء. واتجه كل من الزوج والزوجة إلى الوجهة التي تناسب وضعه الاجتماعي في مجتمع محافظ، من أجل أن يؤدي كل منهما دوره المطلوب منه، فالزوجة مكانها البيت، تقوم بجميع شؤونه وبخدمة زوجها وأولادها. وهي المسؤولة عن تنشئة الأولاد وتربيتهم، وتلك مهمة مُقدسة وتحتاج إلى مجهود كبير وصبر عظيم، وربما سهر طويل عند الحاجة. ولم تنس خدمة زوجها ومحاولة إسعاده وإزاحة هموم العمل عن كاهله، عندما يحضر إلى البيت مُنهكًا. يجد الزوج في مجالستها راحة البال والطمأنينة ويرى في وجهها البشاشة والابتسام وفي معاملتها التقدير وحسن الخُلق. وعندما يهم بمغادرة المنزل إلى العمل تجدها إلى جانبه تودعه بالابتسامة نفسها التي قابلته بها بالأمس، وتدعو له بالتوفيق والعودة سالمًا. وإلى هذه المرحلة من حياتهما الزوجية، لا تملك الزوجة من حطام الدنيا إلا أولادها وحب واحترام الزوج لها، وهذا كل ما تريده.
وكان الزوج ذا طموح وهمة ورأي سديد، فبمجرد أن تم الزواج وانتهت المراسيم التقليدية، شَمَّرَ عن ساعديه، وبدأ يبحث عن مصدر للرزق، وهو المسؤول الأول عن إعاشة أهل بيته. وفقه الله، مع الإخلاص وحسن النية إلى امتهان الأعمال الحرة. ترعرع تحت ظل بيت يجلب الراحة للنفس مع زوجة مثالية. ونما ماله حتى أصبح من أصحاب الملايين. وبطبيعة الحال، فهو لم يبخل على زوجته ولا على أولاده بشيء من متطلبات الحياة العصرية. ويشاركهم في كل مناسبة ويأخذ بخواطرهم ويضحي من أجلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وتمر السنون ويكبر الأولاد، وربما أن كل واحد منهم ذهب في طريقه، كما تقضي بذلك سُنة الله في أرضه. وتبدأ الأمزجة تتغير وتحصل بعض المشادات بين الزوج والزوجة وتتطور إلى مستوى لم تتحمله أنفس الطرفين. ويحدث الفراق، سواء برغبة أحدهما أو كليهما، لا فرق. وهنا يحدث الإشكال، فالزوجة التي حملت بالأولاد وعانت الأمرين من الولادة والسهر على راحة الأطفال وتربيتهم، وخدمت زوجها بكل حب وإخلاص سنين طويلة، ليس لها حق شرعي من أموال زوجها التي تحصَّل عليها خلال عمر الزواج.
فهي كانت تعمل وتؤدي المجهود نفسه الذي كان الزوج يقوم به إن لم يكن أكبر. بل إن الزوجة كانت تتحمل ما لا يستطيع الزوج تحمله في سبيل خدمة الأولاد والزوج والعناية بشؤون البيت، إضافة إلى الحَمل والولادة. ولو افترضنا عكس الأدوار بين الزوجة والزوج، لوجد الأخير أن الحياة لا تُطاق تحت الظروف التي كانت الزوجة تعمل من خلالها. تخرج الزوجة من البيت صفر اليدين ولا لها أي حق في مال زوجها. فإذا لم يكن ممكنًا شرعًا وبدون مِنَّة من أحد حصول الزوجة على نصيب معلوم من ثروة العائلة، فكأنما كانت تعمل طول حياتها عند الزوج بموجب عقد بين الطرفين مقابل أكلها وشربها وملبسها، لا غير. حتى البيت الذي عاشت في كنفه وربت أولادها في رحابه ليس لها نصيب منه .. هل يقبل العقل والشرع مثل هذه المعاملة للنساء؟