كورتولموش وحسابات أردوغان الرئاسية

الساحة السياسية التركية انشغلت طوال الأسبوع الماضي بالحديث عن الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى رئيس حزب صوت الشعب التركي نعمان كورتولموش، حيث طلب أردوغان من كورتولموش ورفاقه الانضمام إلى صفوف حزب العدالة والتنمية.
حزب صوت الشعب الذي يتزعمه نعمان كورتولموش ليس حزبا كبيرا ذا ثقل في الساحة السياسية التركية، وحصل في الانتخابات الأخيرة على نحو 0.76 في المائة فقط من أصوات الناخبين، ولكن التشابه بينه وبين حزب العدالة والتنمية من ناحية الانشقاق عن حزب السعادة الذي يمثل تيار أربكان، والحديث عن أن كورتولموش قد يكون خليفة أردوغان في حزب العدالة والتنمية بعد انتخاب أردوغان رئيسا للجمهورية وما إلى ذلك من التكهنات والسيناريوهات، فتحت شهية وسائل الإعلام ونشرت تقارير ومقالات عدة حول الموضوع.
مسيرة نعمان كورتولموش في السياسة ليست مليئة بالنجاحات، بل إن هناك محطات كثيرة في حياته السياسية لم يحسن فيها اختيار المواقف الصحيحة، وعندما أراد عبد الله جول وأردوغان وغيرهما من القادة الشباب التجديد في حزب الرفاه وقف كورتولموش ضدهم مع كبار السن من قادة الحزب وانتقدهم بشدة، وبعد إغلاق حزب الرفاه انشق جول وأردوغان وآخرون عن تيار أربكان وأسسوا حزب العدالة والتنمية، بينما فضَّل نعمان كورتولموش البقاء مع أستاذه نجم الدين أربكان ليصبح رئيس حزب السعادة بعد رجائي قوطان، ثم دخل في صراع شرس مع القادة القدامى وحاول تطهير قيادة الحزب من أنصار أربكان إلا أن أربكان تدخل وانتهى به المطاف إلى الاستقالة من حزب السعادة مع مجموعة من أصدقائه، وقيل آنذاك إنهم قد ينضمون إلى حزب العدالة والتنمية إلا أنهم أسسوا حزبا جديدا.
لم يدرك كورتولموش أن الساحة السياسية التركية مليئة بالأحزاب المختلفة وليس هناك فراغ يملؤه حزبه الجديد، في ظل نجاح حزب العدالة والتنمية والتعاطف الشعبي الواسع الذي يحظى به زعيمه رجب طيب أردوغان، وبالتالي اتجه نحو اليسار وتبنى حزبه خطابا أطلق عليه ''اليسار الإسلامي'' إلا أن هذا الخطاب لم يجد قبولا لدى الشارع التركي ولم يصوِّت لحزب صوت الشعب في الانتخابات النيابية التي أجريت في 12 حزيران (يونيو) 2011 غير 0.76 في المائة من الناخبين، وكانت هذه النسبة أقل بكثير مما كان يطمح إليها كورتولموش ورفاقه ومخيبة للآمال، لأنها كانت أقل حتى من أصوات حزب السعادة الذي حصل على 1.25 في المائة. ولم تتغير هذه النسب كثيرا حتى هذه اللحظة. وكان بإمكان كورتولموش أن يلتحق بصفوف أردوغان وأصدقائه عندما كانوا يخوضون معركة التجديد في حزب الرفاه، وكان بإمكانه أن ينشق معهم ويشارك في تأسيس حزب العدالة والتنمية، أو أن ينضم إليه بعد استقالته من حزب السعادة، وفي كل هذه المحطات كانت أبواب حزب العدالة والتنمية مفتوحة أمامه، إلا أنه ضيَّع كل الفرص، وربما ظن أنه قد يكرر نجاح تجربة أردوغان نفسه بحزب جديد ولكنه فشل، ويبدو أنه اقتنع في النهاية بأنه لا مستقبل له سياسيا في حزب صوت الشعب وقرر الانضمام إلى حزب العدالة والتنمية.
لم تكن قراءة كورتولموش لكثير من التطورات موفَّقة، ورغم تبنيه شعار التغيير ومحاربة الظلم والدفاع عن الضعفاء لم يدرك رغبة الشعوب العربية في التغيير والإصلاح وزعم أن ما يجري في العالم العربي مؤامرة غربية للاستيلاء على الثروات وتقسيم البلاد، وعارض التدخل العسكري في ليبيا واتهم حكومة أردوغان بالتسرع في موقفها من الثورة السورية، ودعاها إلى الحوار مع إيران كحل أوحد للأزمة في سورية.
''لماذا دعا أردوغان زعيم حزب صوت الشعب للانضمام إلى الحزب الحاكم إن كانت حياته السياسية مليئة بالفشل؟ وما الذي سيستفيد منه حزب العدالة والتنمية''؟ الجواب يكمن في حسابات أردوغان الرئاسية وسعيه للحصول على أكبر نسبة ممكنة في الانتخابات التي ستجري في عام 2014 ليصبح أول رئيس للجمهورية منتخب من قبل الشعب مباشرة عبر صناديق الاقتراع.
خطة أردوغان لا تقتصر على ضم نعمان كورتولموش إلى حزبه، بل هناك آخرون ستتم دعوتهم للانضمام إلى حزب العدالة والتنمية، ومن هؤلاء السياسي الشاب سليمان صويلو الذي ترأس الحزب الديمقراطي من كانون الثاني (يناير) 2008 إلى منتصف أيار (مايو) 2009، ولفت الأنظار بمواقفه الداعمة لجهود تعزيز الديمقراطية. وهناك أسماء أخرى من قادة الأحزاب الصغيرة يتم تداولها في وسائل الإعلام.
الهدف الذي وضعه أردوغان لنفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة أن تتجاوز نسبة الناخبين الذين يصوتون له 60 في المائة وأن يحسم المعركة في الجولة الأولى، نظرا لتصويت نحو 58 في المائة لصالح التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي في أيلول (سبتمبر) 2010، وحصول حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة على نحو 50 في المائة. ويرى أردوغان أن هناك 10 في المائة على الأقل ممن لم يصوت للحزب الحاكم في الانتخابات النيابية يمكن أن تصوت له في الانتخابات الرئاسية.
انضمام نعمان كورتولموش إلى حزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة يعني أيضا إزالة منافس قد يشكل خيارا لبعض المستائين من سياسة حكومة أردوغان إلا أن السؤال الأهم الآن هو: ''هل سيتقبل أعضاء الحزب الحاكم كورتولموش؟'' لأنه كان ينتقدهم بشدة ويتهمهم بأنهم كانوا مثل ''هارون'' وتحولوا بعد تولي الحكم إلى ''قارون''، في إشارة إلى أحد أغنياء قوم موسى عليه السلام. ومهما روَّج أنصار كورتولموش أنه سيخلف أردوغان في رئاسة حزب العدالة والتنمية فإنه احتمال ضعيف جدا في ظل وجود أحمد داود أوغلو وأمثاله من المرشحين لهذا المنصب، وإخفاقات كورتولموش السابقة وتصريحاته في حق أعضاء الحزب الحاكم وسياساته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي