إلا خيانة وطن الشريعة والشرعية
لا يكون الاختلاف إلا بالاجتماع! إذ كيف يصح أن نختلف إذا لم يكن هناك ارتباط وأساس ينتسب إليه الأطراف المختلفون ويكون مرجعية لاختلافهم. فأي اختلاف مصدره الاقتراب والاحتكاك والتماس والتنافس بين أطراف ومكونات المجتمع يلزم أن يكون في إطار المشترك وليس خارجه. ومن ينقل الاختلاف إلى خارج دائرة المشترك فهو يحوله إلى عداء ويمرق من الاجتماع والإجماع ويقوضه من أساسه ويهدم هويتنا الجماعية وثوابتنا الوطنية، التي هي مدار لحمتنا وتوافقنا وقوتنا. هؤلاء المارقون عن الصف والوحدة الوطنية يغلّفون بخبث الاختلاف وادعاءات ومطالبات ظاهرها الرحمة وباطنها الشر والعذاب، فينادون بالتطوير والإصلاح ظاهرا، وهم يضمرون الشر ويسعون في الخروج من الإجماع الوطني، تسيرهم أجندات خارجية تسعى لإضعاف اجتماعنا وتفريقنا حسدا من عند أنفسهم. وأخطر الأعداء من يتسمى باسم الوطن ويتشدق بالولاء وهو ألد الخصام. إنهم الأعداء الأخطر على البلاد وأهلها، يحيكون المؤامرات ويؤلبون الناس سرا وعلانية مع إخوتهم المنافقين. فهم يتبادلون الأدوار فيما بينهم، فأحدهم ينعق بصوت نشاز ويتحدى اجتماعنا دون حياء غير آبه بالمصلحة العامة ليكشف عورته العدائية وخيانته الوطن أمام المجتمع بأسره مدعيا المظلومية الوهمية التي جلبها من أساطير التاريخ التي تعشش في مخيلته وتثير الحقد في صدره وكأنه مريض نفسي ابتلي بالأوهام والخزعبلات، بل هو كذلك، بينما يظهر الآخر امتعاضه وعدم موافقته، لكن دون أن يتحول كلامه إلى أفعال وجهد على أرض الواقع وتأثير ملموس لدرء مفسدة الفتنة، إنما تراه يتحدث حديثا مائعا سطحيا بكلمات منمقة عامة حمالة أوجه لا يفهم منها موقف صريح ولا توجه واضح، يقول تعالى في وصف هؤلاء ومن هم على شاكلتهم من المنافقين: ''وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون''.
إن ما يحدث من غوغائية وتطرف في الطرح في محافظة القطيف وإثارة الشغب والفتنة والنعرات من بعض المارقين والمضللين غير مقبول في بلد آمن ينعم بتطبيق الشريعة الإسلامية، ونموذج للتعايش والسلم الاجتماعي ويتفيأ ظلال الرخاء الاقتصادي، وتصان فيه كرامة المسلم ودينه ويحافظ فيه على أعراض الناس وأموالهم. من غير المقبول أن تهدد أقلية وشرذمة أمننا واجتماعنا وترابطنا، كمجتمع، بحبل الله إخواناً. القضية ليست بين الدولة وشرذمة من الجهال بغوا وخرجوا يتحدون السلطة الشرعية ويعتدون على إخوتنا من رجال الأمن، الذين هم بعد الله سبب ما ننعم به من أمن وأمان، لكن هو تهديد للمصلحة العامة واستقرار المجتمع، وهو ما لا يرضاه ولن يسمح به أهل البلاد الخيرون الشرفاء بجميع مكوناتهم. الأمر لا يتعلق بحالة فردية يقتصر تأثيرها على شخص بعينه، إنما هذا تعدٍ سافر على مصالح واستحقاقات جميع المواطنين، فنحن جميعا في سفينة الوطن ولن يرضى المواطنون المؤمنون العقلاء الشرفاء الأوفياء أن يخرقها هؤلاء الخرقى المعتوهون، الذين بهوسهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
والمتأمل في حال هؤلاء الذين يقفون موقف العداء من الدولة والمجتمع بدعم خارجي من إيران الصفوية يجد العجب العجاب، فهم يغضون الطرف عما تفعله إيران في الداخل والخارج من أعمال إجرامية وحشية غير إنسانية هي أقرب للحيوان، بل هي أكثر وحشية. فها هي تنصب المشانق في الطرقات لكل معارضيها، الذين يعانون الظلم والعدوان، ويمنعون من يعارضهم ومن يخالفهم المذهب حق أداء شعائرهم، ويسلبونهم حقوقهم السياسية والاقتصادية. هل يود هؤلاء أن تعاملهم الدولة السعودية كما تعامل إيران مواطنيها؟ سؤال مطروح على كل أولئك المغررين الذين ينساقون بعاطفة المظلومية المزعومة وراء إيران الصفوية العدوانية. وإذا كانوا يكنون الاحترام والإعجاب لإيران لماذا لا يرحلون إليها؟ وأتحدى أن يفعلوا ذلك، لأن إيران الصفوية عدوة لكل ما هو عربي، والتجربة العراقية ماثلة أمامنا وهو مصداق لقوله تعالى: ''كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون''.
إن الدولة، أيدها الله، دولة حق وإنصاف وعدل وتطبيق للشريعة، لذا تتصف قراراتها بالتؤدة والحكمة وبإطار أخلاقي إنساني وتعامل حضاري، وفي الوقت ذاته تضرب بيد من حديد على من لا ينصاع ولا يحترم المواثيق والعهود ويفسر صبر وكرم الدولة ضعفا فيكون لئيما يقابل الإحسان بالإساءة.
في القطيف كما في محافظات السعودية الأخرى هناك رجال أعمال وأثرياء، وهناك موظفون كبار، ومهندسون وأطباء وأساتذة جامعات ومهنيون وغيرهم، والقطيف تنعم بخدمات عامة وبنى تحتية تفوق في مستواها بعض المحافظات الأخرى .. فعلامَ الشكوى والتظلم؟ وهنا يبرز تساؤل آخر في غاية الأهمية: لماذا صمت النخب القطيفية من رجال الدين وأهل المال والأعمال والمثقفين عما يحدث فلا يشجبون ويستنكرون التصريحات النشاز والتصرفات الرعناء لمثيري الفتنة؟ تساؤل يفرضه صمتهم في ظل التحديات التي يواجهها الوطن، فإذا لم يعل صوت المواطنة الصادقة والحكمة والحق والاعتدال في هذه الظروف .. فمتى؟ فالمواقف تميز بين الخبيث والطيب وتفضح النوايا وتحدد مقدار الولاء.
الدولة التي أسست على نهج الكتاب والسنة وتطبيق الشريعة، وانعقدت ولاية الأمر ببيعة شرعية ارتضاها الجميع حق مكتسب بذل الأجداد لتحقيق وحدتها الغالي والنفيس، ولن يسمح أبناء الشعب السعودي لكائن من كان أن يفسد اجتماعنا ويضعف تلاحمنا ويعطل مسيرة الخير والنماء والأمن والأمان لتنعم بها الأجيال القادمة. دامت السعودية حرة أبية قوية لتقف في وجه أعداء الأمة والملة.