FINANCIAL TIMES

عقار بولي بيل.. تحد جديد لمشكلة بالغة القدم

عقار بولي بيل.. تحد جديد لمشكلة بالغة القدم

جلس مجموعة من خبراء الطب المتقدمين في العمر والمتسمين بالهدوء والنبل، هم وآراؤهم المتناظرة حول مائدة الإفطار في مدينة لندن، حيث تجنب كل منهم تناول الوجبات المقلية ولكن ما يجمعهم دائما هو مشاركاتهم في التجارب غير العادية. إنهم جزء من تجربة طبية رائدة تُجرى على عقار تجريبي جديد، والذي هو في الحقيقة مزيج من مجموعة عقاقير قديمة ورخيصة الثمن. ويعتقدون أنه عندما يتم أخذ هذه العقاقير معا، فإن المكونات الموجودة في قرص بولي بيل ستقوم بإحداث ثورة في عالم الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية. وما زالت هذه الفكرة حتى الآن، والتي هي نتاج جهد استمر عشرات السنوات، تواجه العقبات من قبل المنظمين، والشركات ومتخصصي الصحة العامة على سواء. ''إنه شيء مخيب للآمال، لأن الفوائد المحتملة عظيمة جدا وليس له الكثير من العواقب أو الآثار الجانبية أو الضارة بجانب أن ثمنه زهيد'' وفقا لما قاله مهندس عقار بولي بيل، نيكولاس والد، أستاذ الطب البيئي والوقائي في معهد ولفسون في مستشفى بارتس، وجامعة لندن للطب وطب الأسنان. تروي قصة عقار بولي بيل، وجود كثير من الصعوبات من خلال تحديه النهج السائد في تطوير صناعة الأدوية خلال العقود الأخيرة، ولكن ظهرت حديثا محاولات جديدة لفعل ذلك من قبل كل من الأكاديميين والشركات، من خلال القيام بالأبحاث عن استخدامات جديدة للعقاقير القديمة التي تعد بالفعل آمنة ومفهومة، فهي بذلك توفر قفزة نوعية تستطيع بها أن تتجاوز التكاليف الناتجة عن عدم اليقين من عملية التطور المبكرة للعقاقير، إذا استطاعت التغلب على المخاوف والشكوك التجارية والتنظيمية والطبية. في الأيام المقبلة سيتم إطلاق ''بلوز ون''، وهي مجلة طبية إلكترونية، تختص بنشر أحدث الجهود التي توصلوا إليها في صفحات من هذه المجلة، يقوم بكتابتها البروفيسور والد، ديفيد والد، وجوان موريس، من أجل مواجهة النقاد وإثبات فعالية وقيمة عقار بولي بيل عندما يقوم بتناوله كل من هم فوق الخمسين. في الوقت الذي تُظهر فيه معظم التجارب الطبية نتائج العقار الذي قامت بتجربته من خلال مجموعة من المرضى مجهولي المصدر، إلا أن المجلة تقوم بإدراج جميع أسماء المشاركين البالغ عددهم 86 بمن فيهم الكُتَّاب أنفسهم، والعديد من الشخصيات الطبية الرفيعة الذين يقومون بدعم مبدأ عقار بولي بول. إن الفكرة التي وراء العقار بسيطة جدا، فهي تقوم بالجمع بين العقاقير الموجودة التي يتم استخدامها في علاج الأشخاص الذين يعانون أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل عقار الاستاتين الذي يقوم بخفض مستوى الكوليسترول في الدم وكذلك العقاقير المستخدمة في خفض ضغط الدم. فعندما نقوم بإعطاء هذه الأدوية نفسها بشكل وقائي وفي مرحلة مبكرة من الحياة على نطاق واسع للأشخاص الأصحاء ظاهريا والمعرضين لمخاطر الإصابة بأمراض القلب في المستقبل، فإن عقار بولي بيل يهدف إلى الوقاية من الأزمات والسكتات القلبية بطريقة آمنة وفي الوقت نفسه زهيدة الثمن، عن طريق الجمع بين هذه العقاقير في قرص بسيط يؤخذ يوميا، فذلك يجعل عملية العلاج أكثر سهولة. وباستخدام هذا المزيج من الأدوية الجينية الزهيدة الثمن، فسيثبت عقار بولي بيل أنه علاج اقتصادي رخيص لكل من نظم الرعاية الصحية والمرضى على سواء، في ظل ما سوف يحققه من فوائد كبيرة في الدول النامية التي يتم فيها التعامل مع أمراض القلب والأوعية الدموية بإهمال شديد، ما يؤدي إلى زيادة ونمو المخاطر بسرعة كبيرة. ''إن الحيلولة دون حدوث أول أزمة أو سكتة قلبية، يعني أنه لن تكون هناك أزمة أو سكتة قلبية أخرى لنمنعها'' على حد قول البروفيسور والد. إن محاولة تحويل هذا المفهوم إلى حقيقة، قد أثبتت وجود كثير من الصعوبات. المشكلة الأولى هي مشكلة تجارية. يقول ريتشارد سميث، وهو رئيس التحرير السابق للمجلة الطبية البريطانية وأحد المشاركين في التجربة الدوائية: إن حقيقة استخدام عقار بولي بيل للعقاقير الموجودة خارج براءات الاختراع يحد من الحوافز التجارية التي تجعل شركات الأدوية القائمة على الأبحاث، تقوم بالمشاركة. وفي الوقت نفسه، يشير إلى أن معظم شركات الأدوية التي لها مصالح في عدم حصول المفهوم على المهارات التنظيمية والتجارية التي تؤهله للحصول على الموافقة ببيع عقار بولي بول بنجاح كنهج جديد للصحة العامة. بدلا من ذلك، قام البروفيسور والد، وهو أول من وصف عقار بولي بيل في استمارات براءات الاختراع وفي صحف الأكاديمية مطلع هذه الألفية، باستثمار مئات الجنيهات من جيبه الخاص حتى الآن، وقام أيضا بإقناع شركة سيبلا، الشركة الرائدة في مجال تصنيع الأدوية النوعية في الهند، لتقديم نسخ من عقار بولي بيل، وكذلك نسخ متطابقة منه في شكل دواء سكر وهمي من أجل إجراء التجارب الطبية له. واشترك العديد من الشركات الأخرى أيضا، منها شركة هندية منافسة تدعى ''دكتور ريدي'' التي ركزت على عقار بولي بيل كوقاية ثانوية للمرضى الذين يعانون بالفعل الأزمات القلبية أو أي أمراض أخرى في القلب والأوعية الدموية. وكان مصاحبا له إصدار آخر من الأدوية متضمنا الأسبرين وعقاقير مختلفة ولكن يصاحبها كثير من مخاطر الآثار الجانبية التي تكون إلى حد ما مبررة بالنسبة للمرضى الذين حالتهم عالية الخطورة، ولكن ليس للأشخاص الأصحاء الآخرين. ولكن العقبة الثانية أمام أدوية الوقاية الأولية مثل عقار بولي بيل للبروفيسور والد، هي مشكلة تنظيمية. وهي أنه بينما تتم دراسة كل من مكونات العقار على حدا في المرضى، فسوف يضيف ذلك إلى عبء إثبات استخدامها معا من قبل الأشخاص الأصحاء، ومتابعة كيفية تعامل الجسم معها عندما تتفاعل هذه المكونات مع بعضها. يقول أحد التنظيميين في هذا الصدد: ''كما هي الحال مع أية مجموعة من العقاقير، يجب أن تُوضح مبررات استخدام كل دواء على حدا، ولكن عقار بولي بيل يفتح آفاقا جديدة مثيرة للاهتمام، ولكن سوف يكون من الضروري تجربته على عدد كبير من المرضى في التجارب الطبية لإثبات فعاليته وسلامة استخدامه. تبدأ الاتجاهات في التطور، حيث إن هناك مجموعة من الأدوية الجديدة لعلاج فيروس نقص المناعة، والسل، والسرطان، تحت الاختبار. ولكن الأعداد الكبيرة المطلوبة من المرضى الذين يخضعون للتجارب الطبية يزيد نسبة التكلفة. يعتقد البروفيسور والد أن دراساته الحديثة يعتد بها إحصائيا إلى حد كبير. ويشير سميث إلى أن مدتها كانت قصيرة الأجل، فكان الأمر لا يتعدى أسابيع، وأن المشاركين في هذه الدراسة كانوا مندفعين وملتزمين بشكل غير طبيعي، ما يثير القلق بشأن إلى أي مدى يمكن تعميم هذه النتائج على الآخرين. والقضية الثالثة هنا هي رد فعل المؤسسات الطبية الأوسع نطاقا. ''حجم واحد يناسب الجميع''. عقار بولي بيل يقلل التعقيدات والتكلفة التي تتكبدها عملية تحديد الأنواع المختلفة من المرضى، فبدلا من ذلك، يقومون بعمل فحص بسيط إذا كان الفرد قد وصل الخمسين من عمره أم لا، حيث تبدأ مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في الارتفاع، ولكن يمكن ألا يصلح هذا للجميع. البعض يخاف من أنه يمكن أن يكون بديلا لتحسين النظام الغذائي وممارسة التمرينات الرياضية وغيرها من الطرق المنخفضة تقنيا. يقول دافيد تايلور، أستاذ الصيدلة والسياسة الصحية العامة في الجامعة، كلية الصيدلة في لندن، ومشارك في التجارب الطبية: إنه عندما يستطيع الناس الحصول على عقار بولي بيل دون وصفة طبية ودون الحاجة إلى استشارة الطبيب، فإن ذلك يشكل تهديدا لمهنتهم. وأضاف قائلا: ''يمثل عقار بولي بيل تحديا للافتراضات الطبية الموروثة بابتعاده عن المراقبة الطبية''. في حين أن مثل هذه المخاوف قد يكون من الصعب التغلب عليها، إلا أن عددا كبيرا من شركات الأدوية المتخصصة بدأت دراسة ''تطويع'' العقاقير الجينية لاستخدامات جديدة تكون فيها الشكوك حول سلامة الاستخدام قليلة بسبب السجلات الحالية الراسخة لاستخدام هذه العقاقير مع المرضى من أجل أغراض أخرى. وهم أيضا يحاولون إيجاد طرق للتغلب على القيود المفروضة على براءات الاختراع وطمأنة المستثمرين. ولا يزال عقار بولي بيل نفسه يواجه العديد من التحديات، ولكنه يلقي الضوء على جهود جديدة في تحدي الأنموذج التقليدي لعملية تطوير الأدوية. خفض التكاليف لطالما وجدت شركات الأدوية استخدامات جديدة لعقاقير قديمة، ويدرسون عملية تطويعها لإيجاد طرق جديدة أقل تكلفة لتطوير عقاقير جديدة. وتتطلب عملية التطويع هذه أدلة واضحة على أن فوائده تتفوق على مخاطره، وأنها تستطيع استرداد التكاليف التي تكبدتها. سوف تقوم شركة اكستاب، وهي شركة مقرها المملكة المتحدة، قريبا برفع ملفها للحصول على الموافقة التنظيمية على عقار سايتيزين وهو منتج تم بيعه في شرق أوروبا لمدة طويلة دون وصفة طبية، من أجل الإقلاع عن التدخين. وسوف تتلقى بعض حقوق الملكية الفكرية للاستخدام الجديد، كوصفة طبية خاضعة للتنظيم، ويعتقد ريك ستيوارت، الرئيس التنفيذي لشركة اكستاب أنه يستطيع استرداد استثماراته من خلال الجمع بين العقار وبين براءة اختراع تكنولوجية من أجل المساعدة على توصيله، وله أيضا حق حصري في الوصول إلى المزارع التي تنمو فيها أشجار الأبنوس التي يستخرج منها العقار الذي يصعب تقليده.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES