سقاك الله من ماء الكوثر

سقاك الله من ماء الكوثر
سقاك الله من ماء الكوثر

''يموت الشجر واقفا وظل الشجر ما مات''، هكذا يمكن القول حين تغيب شخصية مرموقة لها الكثير من الإنجازات، تظل المؤسسات القوية ويرحل عنها دوما المؤسسون. لك أن تنظر ماذا ترك نايف بن عبد العزيز وهو يودع دنيانا الفانية إلى ملكوت الله الخالد، لترى بعينك وزارة شامخة على أعلى درجات التنظيم هي وزارة الداخلية، وتسمع بأذنك قصص مكافحة الإرهاب فكرا وأمنا، وتشعر بشعور طفل غر احتضنه الأمير الراحل يوما ما في المدينة المنورة لأنه حفظ الحديث والسنة النبوية.

هذا الرجل المولع بالعلم والثقافة، وحب الانضباط والالتزام الذي اكتسبه وأكسبه للعمل الأمني في بلاد كالمملكة. استطاع بشكل مبهر المزج بين الحزم المطلوب للعمل الأمني، واللين المطلوب لإقامة حوار بناء تتطلبه المعالجة الفكرية فكان النجاح المطلوب في مكافحة الإرهاب بتفوق أثار رغبة الكثير من المؤسسات العالمية للإفادة من التجربة السعودية، حتى أن منظمة الأمم المتحدة كانت قد عقدت قبل أيام في جدة مؤتمرا عالميا حول مكافحة الإرهاب كان يتلقى التجربة السعودية بعيني تلميذ ترقب أستاذه.

كان لمن حضروا لقاء الأمير نايف بن عبد العزيز في الجامعة الإسلامية أواخر عام 2008 وحواره مع الأكاديميين والمثقفين حينها عن فكر الاعتدال، الجواب الكافي على قدرة الرجل في الإقناع وبناء الحوار، والصبر على تنوع الأفكار واحتواءها، في سبيل جعل أرضية الثقافة والحوار بديلا لساحات التقاتل والتراشق العنيف في ميادين المعارك، أو في صفحات التطرف عند المثقفين من الجانبين.

#2#

نايف بن عبد العزيز الذي يوارى الليلة في الثرى، ويصلى عليه في المسجد الحرام في مكة المكرمة، كان من ضمن القادة الميدانيين الذين حرروا هذا المسجد من احتلال دام لأيام قبل 32 عاما من زمرة متطرفة. لم يكتف الأمير الذي انتصر عليها عسكريا حينها بهذا الانتصار الأمني، لكنه ظل يكافح مع بقية القيادة السعودية الفكر الذي تتخذه مثل هذه الجماعات أرضية للمرور فوقها لمزيد من المناصرين.

مسيرة طويلة من العمل العام للأمير نايف بن عبد العزيز، كانت مرهقة وكانت حبلى بالتحديات، لكن أكثرها وقعا على نفوس السعوديين حينما ظهر وهو نائب ثان لرئيس مجلس الوزراء في آذار (مارس) من عام 2011 ليؤكد العلاقة المتينة التي تربط السعوديين بقيادتهم، مهنئا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بشعبه الوفي، والشعب بقيادته الكريمة.

وقال حينها الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - في الرياض: ''أهنئ قيادة هذا الوطن، بشعبه رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، على وقفتهم الأبية الكريمة الوفية. لقد أراد بعض الأشرار أن يجعلوا من المملكة بالأمس مكانا للفوضى والمسيرات الخالية من الأهداف السامية، ولكنهم أثبتوا أنهم لا يعرفون شعب السعودية. إن هنا شعبا واعيا، شعبا كريما، شعبا وفيا، لا تنطلي عليه الافتراءات، إنه يعرف نفسه، لقد أثبت شعبنا للعالم كله أنه في قمة التلاحم مع قيادته أمة واحدة متمسكون بدستورهم كتاب الله وسنة نبيه. الشكر مهما كان فهو قليل لهذا الإنسان السعودي الكريم. إنني على ثقة كاملة بأن هذا كان له وقع كبير وأثر الفاعل في قلب وعقل سيدي خادم الحرمين الشريفين، ومثلما نقول اليوم شكرا وهنيئا لمليكنا بشعبه، سنقول غدًا شكرًا لخادم الحرمين الشريفين وهنيئاً للشعب بمليكه''.

رحم الله نايف بن عبد العزيز، كلمة ترددت ملايين المرات بالأمس وستردد أكثر في الأيام القادمة والمملكة تطوي صفحة بارزة من صفحات رجالها الكبار الذين أثروا المشهد السياسي والاجتماعي فيها وفي العالم.

تعالت أصوات المعزين في القنوات الرسمية والشعبية على قامة سياسية بارزة ظلت في صدارة المشهد العام، عضيدة للملوك السعوديين، وصولا إلى أن يكون الساعد الأيمن لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - والذي تتكالب دعوات مواطنيه أن يسبغ الله عليه الصحة والعافية، وأن يحفظه لبلاد وأمة عظيمة همومها كبيرة وصارت اليوم أكبر.

الأكثر قراءة