أسس ورسم النهج الأمني لخدمة ضيوف الرحمن خلال 4 عقود

أسس ورسم النهج الأمني لخدمة ضيوف الرحمن خلال 4 عقود

لأربعة عقود من الزمن استقى نايف الأمن أجندة التحضير لأكبر مؤتمر وتجمع عالمي في تظاهرة الحج الكبرى ليتوج هذا الموسم بالنجاح طوال 40 عاما. التخطيط للحج لا يرتبط بزمن محدد في فكر الأمير نايف، بل ظل طوال العقود الماضية وهي الحقبة التي تقلد خلالها زمام قيادة وزارة الداخلية، يخطط، يناقش، ينفذ، ثم يشرف ويتابع ميدانيا متسلحا بفكر التنوير والتوعية برفعه لشعار ''نحن خدام لضيوف الرحمن''. وضرب بيد من حديد كل من يحاول اختراق الأنظمة في الحج وهو يطلق ''الحج نظام''، مرددا صدى كلماته التي يطلقها قبيل موسم كل حج '' لن نتهاون مع كل مقصر أو متلاعب بحقوق ضيوف الرحمن''.
لقد أسس الأمير نايف بن عبد العزيز - يرحمه الله - ورسم نهج المملكة الأمني لمهمة الحج الذي يعلنه الأمير أمام وسائل الإعلام العالمية والمحلية خلال العقود التي مضت في التعامل مع موسم الحج بعيدا عن أي إفرازات خارجية مؤثرة، لذا دائما ما يؤكد الأمير نايف - يرحمه الله - في حديثه عن نهج هذه البلاد من خلال رسالته التي يوجهها للجميع قائلا ''المملكة لا تتطلب تعهدات أمنية احترازية من أحد مطلقا، أو أي عمل مخالف لقدسية المناسبة الدينية، ولكنها في الوقت ذاته ستواجه بحزم أي عبث من أي جهة كانت سواء أفرادا أو جماعات''. وهنا تتجلى الرسالة المؤمنة العميقة القائمة على مرتكزات الشرعية الإسلامية التي تضعها هذه البلاد نبراسا للعمل في موسم الحج. وفي كل عام ومن خلال مؤتمره الصحافي العالمي يؤكد الراحل ''هذه الإجراءات الأمنية التي تتخذها حكومة المملكة هذا العام للحفاظ على سلامة وأمن الحجيج، هي إجراءات تتخذ في كل عام من مبدأ قول ''الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف ''اعقلها وتوكل''.
وفي أغلى وأطهر بقعة على وجه الأرض ترتبط بأفضل المواقيت، الزمانية والمكانية كانت إرادة ولي العهد توازي حجم المسؤولية لاسيما في إدارته لحشود بشرية مذهلة ترقبها عدسات العالم أجمع، وتنقل نبضها شاشات الفضاء الواسعة. فما اكتنزه الراحل من خبرة تقترب من 60 عاما قضاها قائدا وحاكما وإداريا كانت جزءا من الأجندة الخفية التي رسمت ملامح النجاح الكبير في موسم الحج الأكبر خلال العقود التى وقف فيها الراحل مشرفا على هذه المهمة.
وخلال مهمة الحج ومن مشعر منى يتحول الراحل إلى غرفة عمليات متنقله، وإلى خلية عمل لإدارة فريق تخطيط وتنفيذ، واضعا نصب عينيه النجاح لا غير. وهنا كان يؤكد عبر وسائل الإعلام العالمية التي نقلت نهج ولي العهد السعودي ''نحن على بوابة صناعة الحج''. فعندما تستمع لرؤيته عن معالجة واحدة من أعقد قضايا الحج ''الافتراش''، يرى أن الحل ينبع من المصدر، فالحلول الآنية بمنع الافتراش لا يمكن أن تحقق المأمول، كما أنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع لتباين الحجاج واختلاف أجناسهم وألوانهم وبيئاتهم.
شفافيته وصراحته في التعامل مع مشكلات الحج قادته إلى تحقيق كل هذا النجاح، لذا ركز الراحل على سلاح التوعية فالحملة التي دوت أصداؤها في أرجاء الوطن الكبير وحشدت لها كل الإمكانات أراد منها أن تكون بوابة للعالمية ولهذا انعكست نتائجها الإيجابية على أرض الواقع فانخفض عدد المتسربين للمشاعر المقدسة عما كان عليه في السنوات السابقة، فخلت الشوارع الرئيسة في مشعر منى من الافتراش ومعوقات السير وعرقلة حركة المرور. وتمكن الحجاج من رجم الجمرات دون حوادث.
إن الأمير نايف يرحمه الله بحنكته الإدارية ورؤيته لإدارة فريق عمل الحج جعلته قريباً من الجميع، فهو يرى نفسه خادماً ''لأغلى ضيوف'' منفذا توجيهات خادم الحرمين الشريفين. فلسفته الإدارية أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، القائد والموظف، ولهذا يؤمن بأن الموظف التنفيذي الذي يباشر تقديم الخدمة للحجاج يتساوى مع القائد: يؤمن بأن كل شيء قابل للتحقيق. ولأنه يؤمن بالتغيير من أجل التطوير
فالراصد الحذق لكل هذه المعطيات، يدرك أن مسؤولية توفير الأمن والراحة لقرابة ثلاثة ملايين حاج على ثرى أطهر البقاع، مهمة ليست سهلة، فمن شرف بهذه الخدمة النبيلة وعمل بكل إخلاص في خدمة ضيوف الرحمن فهو ممن اصطفاهم الله للتيسير على الناس، وأولئك هم المفلحون. ومن تقاعس عن عمله وتخاذل في أداء واجبه فهو ممن ابتلاهم الله بمسؤولية الأمانة فأضاعوها.
والمتابع لفكر الأمير نايف - يرحمه الله - ومنهجه فهو واضح، ففي كل موسم حج نلحظ التغيير والتطوير الذي يكتسي به الحج عاما بعد آخر، فخلال العقود الماضية تحولت خدمة ضيوف الرحمن إلى صناعة احترافية في شتى المجالات سواء على مستوى الصعيد الأمني أو الخدمي أو التنظيمي بل حتى الفكري، حيث تجاوزت القطاعات الحكومية والأهلية مرحلة الارتجال والفردية في الخدمة، وتحول العمل إلى قالب مؤسساتي مقنن قائم على التخطيط والتنظيم والابتكار في تطويع كل الإمكانات البشرية والمادية والتقنية لخدمة ضيوف الرحمن لتمر مواسم الحج المتتالية خالية مما يعكر الصفو. وهذا لم يكن ليتحقق لولا فضل الله ثم فكر الراحل الذي وقف وراء تلك النجاحاتـ، فليس من السهولة بمكان إدارة كتل من الحشود البشرية في ظرفية زمان ومكان محدودة، وتنوع ثقافات وعادات ولغات دون وقوع ما يعكر صفو ذلك التجمع. إدارة البشر تمثل عنق الزجاجة في مجالات الإدارة المختلفة، وهذا لا يعني مطلقا أن إدارة ثلاثة ملايين حاج أمر مستحيل في ظل توافر سبل الإدارة البشرية والتقنية العالية التي امتلكتها الأجهزة الأمنية خلال هذه الحقبة. ويدرك المتأمل تماما أن تراكم الخبرات لدى الأمير نايف - يرحمه الله - خلق معجزة عصرية في هذا المؤتمر التعبدي العالمي. لقد وقف العالم وقدم شهادات شكر وعرفان للجهود الكبيره التى كان يبذلها الراحل من أجل راحة ضيوف الرحمن. كان يفرح بعودة حجاج بيت الله الحرام سالمين غانمين ويحزن عندما يصيب أي واحد منهم أي أذى لقد اضطلع الراحل بمسؤوليات جسام ليس على مستوى الأمن الوطني فحسب، وإنما على مستوى الأمن القومي العربي.
واللافت في شخصية الأمير نايف - يرحمه الله - أن الجميع يتفق على حبه، فهو شخصية متميزة ويكن الشعب السعودي والعربي كل تقدير واحترام، وهو الأمر الذي عكسه الأمير بنجاحه في كسب قلوب المواطنين وتحويل وزارة الداخلية من مصدر خوف إلى مصدر أمن.

الأكثر قراءة