Author

الخلل السكاني في دول الخليج.. من المسؤول الحكومات أم الشعوب؟

|
تعاني جميع دول مجلس التعاون خللا في التركيبة السكانية، ولكن بدرجات متفاوتة! فقد انكمشت نسبة المواطنين في جميع دول مجلس التعاون لدرجة مثيرة للقلق! يتضح حجم هذا الخلل عندما نعرف أن الجدل بين الأحزاب السياسية في فرنسا حول مهاجرين لا تتجاوز نسبتهم 11 في المائة. لو أن نسبة غير المواطنين في دول مجلس التعاون تساوي ضعف نسبة المهاجرين في فرنسا لكان الأمر عادياً لا يستدعي الكثير من الاهتمام، ولكن نسب المواطنين في بعض الدول تنخفض إلى ما دون حجم الجالية الهندية لوحدها على سبيل المثال. نعم لقد انكمشت نسبة المواطنين إلى 15 في المائة تقريباً في بعض الدول وإلى قرابة النصف في معظم الدول. لا يحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد ليشعر الإنسان العادي بحجم الخلل في التركيبة السكانية، سيفاجأ عند الذهاب للأسواق في مراكز المدن في يوم الجمعة بالجموع الغفيرة من مختلف الجنسيات، وسيستغرب من جنسيات العاملين في محال البيع سواء كان ذلك في محال الملابس أو مواد البناء أو الأثاث! وسيفاجأ بالغياب الكامل للمواطن الخليجي في أي من هذه المحال أو المهن! طبعاً يمكن تفهم أسباب تدفق هذه الأعداد. بعضها منطقي وبعضها غير منطقي، بعضها مبالغة في الاستهلاك وبعضها الآخر مجرد تلاعب وبيع للأوطان بسبب الجشع والطمع في جمع المال. ولكن السبب المنطقي لاستقدام هذه الأعداد الهائلة من العمالة يعود إلى رغبة البلدان الخليجية في الاستفادة من الفوائض المالية في استكمال مشاريع البنية التحتية وصيانة بعضها أو بناء مشاريع تنموية ومجمعات صناعية وتعليمية كبيرة، خاصة أن الشركات التي تقوم بإنجاز هذه الإنشاءات لا تجد العمالة المناسبة في الأسواق المحلية، مما يجعلها تضغط على الجهات المسؤولة لاستقدام المزيد من العمالة من الخارج. لا شك أن الترشيد في استقدام العمالة الأجنبية ممكن في القطاعات كافة ولكن بدرجات متفاوتة. ولا شك أن المواطن الخليجي بسلوكه الاستهلاكي ومبالغته في الاعتماد على هذه العمالة زاد الطين بلة وأدى إلى تفاقم الوضع. مثال بسيط يوضح المقصود، في مطاعم الوجبات السريعة يقوم عدد كبير من العمالة بتنظيف الطاولات بعد انتهاء الزبائن من الأكل وعليها تراكمات من بقايا الأكل والمناديل الورقية المتناثرة فوق الطاولة وفي محيطها، على الرغم من أن الإنسان الخليجي أول من يمتثل للأنظمة السائدة في البلدان الأخرى عندما يزور أمريكا أو أوروبا، بل دبي حتى لا نذهب بعيداً. وقد رأيت الكثير منهم بأم عيني يقومون بتنظيف ما تبقى من الأكل ووضعه في المكان المخصص قبل مغادرة المطعم. لو قام الخليجي بممارسة هذا السلوك في بلده لأمكن الاستغناء عن عدد كبير من العمالة الوافدة. ويمكن القياس على هذا المثال الكثير، مثل المحافظة على نظافة الشارع ستوفر كثيرا من العمالة، كذلك فإن عدم شراء مياه الصحة عند الإشارات سيقلص الحاجة للعمالة الهامشية أو السائبة التي يكلف وجودها ملايين الريالات سواء تكاليف مباشرة أو غير مباشرة كاستهلاك الخدمات والسلع التي تقدم الدولة إعانة لاستيرادها، إذ تقدر التكلفة غير المباشرة للعامل بنحو خمسة آلاف ريال! ويقلص الحاجة للعاملة أيضا، قيام الإنسان بتعبئة الوقود في سيارته بنفسه، كما هو سائد في أمريكا وغيرها! ويضاف إلى ذلك ضرورة ترشيد العمالة المنزلية قدر الإمكان، علماً أن هناك تفاوتاً كبيراً، بين أسر لا تستطيع (أو لا ترغب) في استقدام عمالة منزلية، وبين أسر تبالغ في استقدام أكثر من حاجتها! لا يقل عن ذلك أهمية العمالة السائبة التي تمارس أعمالاً هامشية لا تضيف شيئاً يذكر للاقتصاد، هذه العمالة استقدمها المواطن، ولكن الجهات المسؤولة وخاصة وزارة العمل هي المسؤولة عن وجودها تجوب الشوارع بحثاً عن العمل أو التسكع في مواقف السيارات لتنظيف السيارات التي أسهم في انتعاش الطلب عليها تكرار العواصف الترابية التي تضرب المنطقة بتكرارية غير معهودة! ويضاف إلى ما سبق التستر، تلك السوسة التي تنخر في جسد الاقتصاد. لا شك أن التستر مسؤولية المواطن بكل تأكيد! فكثير من المحال التجارية واجهات وطنية، ولكنها ملكيتها أجنبية خارج إطار النظام. هذا التستر ليس على مستوى "البقالات" والمشاريع الصغيرة فقط، بل يشمل مشاريع كبيرة جداً. لقد حاولت الهيئة العامة للاستثمار حل هذه المشكلة (شرعنة الاستثمار الأجنبي)، فشرّعت الأبواب لتلاعب من نوع آخر أسهم في زيادة العمالة الأجنبية تحت ستار الاستثمار الأجنبي! ما أود أن أقوله في هذه المقالة إن المواطن لا يُعفى من المسؤولية! والوطن في البداية والنهاية هو للمواطن. فمن المفترض أن يكون المواطن حريصاً على مصلحته وتقدمه ونمائه. فإذا كان المواطن لا يبالي بمصلحة هذه الأوطان ويُسهم في بيعها للمستثمر الأجنبي مقابل حفنة من الدراهم أو تسهيل سلب خيراتها من خلال أنشطة التستر وممارسة سلوكيات استهلاكية غير منطقية، فعلى الأوطان السلام!
إنشرها