الهواتف الذكية تسيطر على هدايا النجاح
منذ بدء ذلك العام الدراسي في منتصف الثمانينيات كان الطفل "ممدوح" ينتظر بشغف مهول هدية النجاح التي وعد والده بتقديمها له إن هو اجتاز عامه الدراسي بتفوق، كان متقدما على أفراد جيله بما يشبه السنة الضوئية الكاملة، إذ كان يأمل أن يشتري له أبوه جهاز فيديو مع الأجزاء الكاملة لمسلسل "خماسي"، وكان الأطفال من حوله يتمنون نجاحه بقدر ما يتمنى هو وربما أكثر، هم أيضا مدعوون إلى حفلة متابعة الحلقات التي أعادوا مشاهدتها لمئات المرات، كانت كل مرة تجدد فرحة النجاح في أنفسهم. ممدوح الذي حصل آنذاك على أهم وأغلى هدية لنجاحه كان يكتفي كغيره بمبالغ مادية بسيطة أو بنزهة بحرية أو زيارة لحديقة الحيوانات، لكنه وبعد أن أخذت عجلة الحياة دورتها، وأصبح أبا وجد نفسه أمام إصرار ابنه الذي تخطى أول عام دراسي له على أن تكون هدية النجاح جهاز الآيبود مشروطا بأن يكون مليئا بالألعاب والصور!
وقال ممدوح في معرض تعقيبه على هذا التحول: رفض ابني الصغير أي خيار آخر، الهدية إما أن تكون هذه وإما ألا تكون، الأجهزة الذكية رغم ارتفاع أسعارها أصبحت هي الموجة السائدة كهدايا نجاح، ولا يمكن أن أطبّق ما عشته في جيلي على هذا الجيل، إذ إن الاختلاف طرأ على كل مناحي الحياة، وأقل القليل الذي كنا نقبله برحابة صدر وفرح أصبح جزءا من الماضي. وأضاف: أحمد الله حين أرى غيري يقنع أبناءه بقبول الآيبود كحد أدنى في وجه مطالبتهم بأجهزة الآيفون والبلاك بيري رغم أنهم في منتصف المرحلة الابتدائية. وقال مفظي العنزي مالك أحد محال بيع الأجهزة الذكية: إن الطلب زاد بشكل كبير على أجهزة الآيبود التي ارتفعت أسعارها بنحو عشرة في المائة تزامنا مع نهاية العام الدراسي لأطفال المرحلة الابتدائية. ولم تسلم كل الأجهزة الأخرى من هذا الارتفاع لذات السبب.
وحول الأثر التربوي الذي يخلّفه ضعف الآباء أمام رغبات أبنائهم المبالغ فيها، اختتم ممدوح قائلا: لا أعلم شيئا عن الآثار السلبية أو الإيجابية لهذا الانصياع، ما أعرفه وأثق به أنني لا أنسى تلك اللحظات التي دخلت فيها منزلي ذات يوم لأجد والدي الذي لم يكن متعلما وبالتأكيد لم يستشر أي تربوي، وقد ملأ البيت بأغنية بداية المسلسل الكارتوني الذي اشترى أشرطته لي، حينها سجلت ذاكرتي مشهدا لم ولن يغيب عني ما حييت، وكانت رسالة تحفيز كبرى أرسلها أب بسيط إلى ولده الذي يواجه جيلا معقدا أصابته عدوى التقنية في كل حياته.
