هل ما نقدمه لاضطراب التوحد كافٍ؟ 2/2

هل يمكن أن يكون للتطوع تأثير إيجابي في دفع مسيرة الاهتمام بهذا الاضطراب إلى مستويات يمكن أن تحسن من نتائج التوعية والعلاج والتناول في زوايا مختلفة؟ هذا يقود إلى السؤال هل تفاعلنا مع جزئية ''التطوع'' مثلا في المجالات الصحية حسب التطلعات المأمولة؟
لنكن عمليين ونتساءل: كيف ستكون الاستراتيجية ومحتواها ومهام الجهات المختلفة؟ وكيف سيكون تمويل رعاية المصابين بهذا الاضطراب وما آلية الوقاية من الإصابة به؟ أقول ذلك لأن الدراسة التي قام بها علماء من جامعة ستانفورد على التوائم في عام ٢٠١١م خلصت إلى أن العوامل البيئية المحيطة بالطفل مسؤولة عن الإصابة بالاضطراب بنسبة ٦٢ في المائة، في حين أن العامل الوراثي لم يتعد نسبة ٣٨ في المائة. هذا وضح بأنه عكس ما كان مثبتا ومعروفا أن الوراثة تتدخل بنسبة ٩٠ في المائة ولا تزيد على ١٠ في المائة للعوامل البيئية. هذه النتائج تؤكد وتوضح أن العوامل غير الوراثية لا بد أن يوجه لها كل الاهتمام لئلا تتفاقم وتزداد نسب الإصابة وتخرج الاستراتيجية عن مسارها.
أتوقع أن نبدأ بالتالي: كأساس (1) لا بد أن تعد الاستراتيجية وتناقش قبل إعلانها أو نشرها من قبل مجلس الشورى. (2) بعد إعلانها لا بد أن يتم ربطها بجهاز هو مركز الحصر ولا بد أن تنسق معه كافة المراكز الخدمية الصحية بشكل سلس ومرن ومباشر للرصد الإحصائي والإعداد المالي والتخطيط العام. (3) يتم تحديث الاستراتيجية كل خمس سنوات ولكن لا بد من متابعة الأرقام والحالة بشكل سنوي. (4) كل جهاز وقطاع يجب أن يتابع تقديم ما أوكل إليه من مهام حسب الاختصاص ولا يدع الفرصة لأي متابع أو عابث بالتنقيض والتهجم بالتقصير عليه في مهامه. (5) مجلس الشورى يجب أن يطلع على التقرير السنوي ويوجه ويلفت أنظار المسؤول عنها أو المنوط به مسؤوليتها إلى مستوى تقديم الخدمات من كل جهاز معني بالأمر. (6) الوزارة المعنية بالاهتمام بالموضوع مسؤولة مسؤولية تامة عن نتائج القراءات التي يصدرها مجلس الشورى في أي وقت ويكون تقييم المحتوى الأساس هو الفيصل في الموضوع.
من ناحية الاستراتيجية نفسها لا بد (1) أن تشمل أدوارا لجهات عدة أهمها الصحة، والتعليم بمستوييه العام والعالي، والشؤون الاجتماعية ووزارة الإعلام ووزارة المالية؛ حيث الحاجة أساسية للمصاب بالاضطراب في هذه القطاعات. (2) أن تحتوي على بنود في حاجة العوائل والأسر التي لديها توحديون ولا يمكن أن ينسوا أو يهملوا فيها. فالإمكانات والخلفية القادمون منها، وعدد الأفراد فيها، والوضع الصحي، والحالة الاجتماعية والثقافية، تكرس لمفهوم تلبية احتياجاتهم. (3) أن تأخذ التوعية والتثقيف بهذا الاضطراب حيزا كبيرا من الاهتمام فيها لئلا تقتصر العملية على جمعية أو وزارة. (4) أن تشمل مواد لتنظيم الشأن قانونيا لأن الاحتكام في النهاية لأي منازعات لا بد أن يرجع أساسا لها ثم اللوائح التفصيلية. (5) أن تشمل جزءا كبيرا عن التمويل فحاليا توجه وزارة الشؤون الاجتماعية مواردها نحو عشرات اللجان والمراكز والأنشطة وما دخول القطاع الخاص إلا من باب أن يكون رافدا فقط حيث إنه موجه لفئات وشرائح وبتكاليف تستنزف جيوب الكثير ممن أراد الله لهم هذه المشيئة. فهناك رسوم ونقل وتقديم خدمات ومتابعة تعليمية وصحية وتوعوية تستمر للعمر كله، ولا بد أن نجمد الاجتهاد وتحسب التكاليف بشكل دقيق. (6) البحوث والدراسات المستمرة لا بد أن تشملها الاستراتيجية من حيث تحديد الجهات والمراكز والأفراد والممثلين والإحصاءات والنشر والتوقيت... إلخ.
إن الاستراتيجية لا بد أن تعطى أهمية وطنية لأنها قضية وطنية. المجتمع كله سيعاني إن لم نكن على قدر المسؤولية والاستعداد في كافة المناطق بكافة الموارد في كل الأوقات. فالمدرس وعضو هيئة التدريس والطالب والمسؤول الاجتماعي والإمام في المسجد والمحاسب والقائم على برامج التوعية... إلخ، كل هؤلاء لا بد أن يكونوا واعين لحجم هذه المشكلة وماهية دور كل واحد فيها.
هذا يجعلنا نفكر في القيام بدراسة وطنية نقوم فيها بوضع المحددات التي تؤطر القضية وبها يتعين من هو في دائرة المشكلة ومن تعتمد على تنفيذها الخطة.
بهذه الدراسة سيتم: (1) الرصد المستمر والتحليل التوافقي (جهات وآليات)، (2) تحديد الجهات المعنية وذات المرجعية في التخطيط والتنفيذ والإدارة لكل فئة ومرحلة عمرية ولكافة الفئات، (3) تخصيص ميزانية للتمويل وتحديد المصادر لضمان استمرارية التغطية، (4) تحديد متطلبات التأهيل والعلاج في كافة المناطق والمحافظات، (5) تحديد أولوية تغطية المناطق ببرامج التوعوية الصحية والإعلامية، (6) إعداد استراتيجية تكفل استدامة الإشراف والمتابعة بأسلوب منهجي واحترافي تأخذ في الاعتبار كل محافظة وطبيعتها في كل منطقة.
كيف تتحقق حقوق الأجيال وهم يواجهون تزايد نسب اضطرابات النمو المتفشية (Pervasive Developmental Disorders) في المجتمع، إذا لم تصغ الاستراتيجيات لتتحقق الأهداف بجهود الجميع وتكامل الخدمات لصالحهم؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي