نحو إدارة حكومية أفضل

تعيش المملكة نهضة شاملة غير مسبوقة في جميع المجالات، وتتسم هذه النهضة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ أيده الله ــــ بأنها نهضة علمية اجتماعية، وكان تنظيم الديوان الملكي وضخ الدماء الشابة المؤهلة تأهيلا عاليا في شعب الديوان كافة، ثم تلا ذلك إطلاق برامج النهضة العلمية في حقل التعليم العالي وتم ابتعاث عشرات الآلاف من الطلبة دوليا ثم أسست عشرات الجامعات، وكانت جامعة الملك عبد الله العالمية جوهرة التاج. وقد سبق أن تعاقدت الدولة في أواخر الستينيات الميلادية من القرن الماضي مع شركة فورد الاستشارية لإجراء هيكلة للدولة بدءا من الديوان الملكي وديوان رئاسة مجلس الوزراء ثم مختلف الوزارات، وتم تأسيس معهد الإدارة ليكون مدرسة الإدارة السعودية الحكومية وساهم بعديد من برامج الهيكلة وتحسين وتقييم الأداء الحكومي. وقد قدرت شركة فورد أداء الموظف الحكومي في المملكة بثلاث ساعات من الإنتاجية مقارنة بثماني ساعات للموظف الياباني وخمس ساعات للموظف الأمريكي والأقل من ذلك بكثير لعدد من الدول العربية. وقد ذكر لي أحد المشاركين في برنامج فورد وهو من المتقاعدين الآن أنه تم تخفيض عدد التواقيع على نوع من المعاملات الحكومية من 20 توقيعا إلى أربعة تواقيع، حيث كانت التواقيع الأخرى من باب شخصنة النظام والمجاملات البيروقراطية.
وقد باشرت اللجنة العليا للإصلاح الإداري بإنجاز عدد من البرامج، إلا أن برنامج الهيكلة الشاملة لم يتم إنجازه، وقد نفذ بنجاح باهر في الأردن والمغرب، حيث تم تصميم برنامج حكومي شامل للإدارة والخدمات وبدورة أعمال مستندية إلكترونية ومتطورة. وكان السؤال المهم والأول في هذا البرنامج (مَن يخدم مَن.. الدولة أم المواطن؟) وبناء عليه يتم تأسيس استراتيجية الإصلاح. يبدو الجواب للبعض منا سهلا، حيث إن الدولة من المفروض أن تخدم المواطن وتنجز معاملاته الضرورية وتلغي بعضها لأنه من باب الروتين والبيروقراطية المزعجة. والأداء الأمثل أن تخدم الدولة المواطن بخدمة (من الباب للباب) كما يتم في الدول الأكثر تقدما.
أما المواطن فيتوجب عليه أن يكون مواطنا مسلما صالحا يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الناس، ويحترم توجيهات وأوامر ولي الأمر في شؤون حياته كافة، وهي المتمثلة في المعاملات الإجرائية في الدوائر الحكومية كافة ويعين الدولة على أعمالها كل قدر استطاعته، ومن ذلك أن يتقي الله في عمله وأمانته وينهي أمور الناس على أتم وجه، فالعمل في الإسلام عبادة.
من المعروف نظريا وواقعيا أن 20 في المائة من موظفي الدولة ينجزون 80 في المائة من الأعمال، أما البقية فهم بطالة مقنعة. وقد قامت الحكومة اليابانية من أسابيع بتخفيض عدد موظفي الدولة بنسبة 40 في المائة، وذلك لتحسين الأداء الحكومي. وتراجع الكثير من الحكومات في الدول المتقدمة أداء موظفيها وتكافئ نسبة 20 في المائة المنجزة والمحترفة وتدرب 30 في المائة لإعادة تأهيلهم وتوجه إنذارات سوء الأداء لـ 30 في المائة وتعفي المتبقين من أعمالهم بسبب سوء الإنتاج. إن دمج رئاسة الديوان الملكي برئاسة مجلس الوزراء هي أهم خطوة استراتيجية لإعادة الهيكلة الحكومية وإطلاق برنامج غير مسبوق لنفض الغبار وإصلاح وتطوير الأداء الحكومي. يتبعه برنامج متواصل لهيكلة ودمج وإيجاد وزارات جديدة كلما دعت الحاجة لذلك، وهذا ما شاهدناه في هذا العهد الميمون. أنا لا أطالب هنا بتخفيض عدد موظفي الدولة والذين نشكل 70 في المائة أو أكثر من القوى العاملة، لما قد يسببه ذلك من مشاكل اجتماعية، لكن أطالب بتقدير ومكافأة ودعم المبدعين والمتميزين من موظفي الدولة والتوسع في إرسالهم لدورات دولية في مجال الإدارة الحكومية بل تدريبهم على رأس العمل لدى الدول المتقدمة.
ينتخب الرئيس الأمريكي في تشرين الثاني (نوفمبر) ويتم تنصيبه في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام اللاحق. وخلال تلك الفترة تتم إعادة هيكلة وإنهاء التعاقد لما يقارب سبعة آلاف موظف فيدرالي وتعيين بديل لهم من حزب الرئيس المنتخب. حيث إنه يجب أن يكون الجهاز الحكومي الجديد منفذا لخطط ووعود واستراتيجية الحكم للرئيس الجديد ويشمل ذلك كامل جهاز البيت الأبيض. من الصعوبة والمشقة على الوزير أو وكيل الوزارة أو رئيس أي جهاز ألا تكون له صلاحية تشكيل فريق عمل جديد مناسب لتوجهاته وأسلوب عمله. أن يعمل رئيس أي جهاز أو وزير مع فريق العمل الموجود سابقا والذي قد يؤدي عدم التجانس والتفاهم معه إلى تعثر أو إجهاض برنامج عمل الوزير المكلف به من رئيس مجلس الوزراء، وهذه الآلية تحتاج للنظر العلمي والعملي من جهات مثل معهد الإدارة واللجنة العليا للإصلاح الإداري التي يترأسها الآن موظف الدولة الأول. القائد الذي لا يختار ويشكل فريق عمله لا يمكن لومه على الإخفاق أو سوء الخدمة المقدمة للمواطن أو الأزمات التي تعصف بوزارته من حين إلى آخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي